ويقطعُ مجاهل جزيرة العرب الواسعة أوديةٌ وبقاعٌ ذاتُ مُدن وقرى يسكنها فريق من الزراع، ولا تعرف الصحراء غير أهل البدو الذين يجوبونها.
وتقع في وسط تلك الهَضْبة العربية بلادُ نجد التي تُهدُّ جزيرة خصبة تحيط بها الفَلَوات والجبال بدلاً من الماء.
ويُظنُّ أن نحو نصف جزيرة العرب مؤلفٌ من بِقاع خصبة، وأن النصف الآخر من صحارٍ، وإن دلت الخرائط على اتساع رُقعة الصحاري، وانقباض رُقعة البقاع الخصبة، وما في الخرائط من التفاوت ناشئٌ عن قلة ارتياد علماء الجغرافية لجزيرة العرب واضطرارهم إلى ترك البقاع المجهولة منها بيضاً.
ولم يُعرف من سلاسل جبال جزيرة العرب الكثيرة سوى القليل، وأحسن ما عُرف منها السلسلة الممتدة على طول الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر حيث يرتفع بعض ذراها ٢٥٠٠ متر.
وفُقدان الأنهر الدائمة في جزيرة العرب مما يستوقف النظر، وتبقى أخاديدها خاليةً من الماء في أكثر أيام السنة، وتشُقُّ هذه الأخاديدُ جزيرة العرب طولاً وعرضاً، وقد يبلغ طول بعضها، كوادي الرُّمَّة: ١٣٠٠ كيلو متر، وهي تصبح كالأنهر العظيمة المعروفة حين يملأها ماء المطر.
والجدبُ والحرُّ من أظهر ما عُرِفت به جزيرة العرب منذ القديم، والجدبُ على الخصوص، هو أشدُّ ما تعانيه، ولم ينشأ عن قطع أشجار غابها بالتدريج سوى زيادة القحط، شأنُ بلاد الجزائر الخصيبة في العهد الرومانيَّ، الجديبة في الوقت الحاضر.
ويدوم المطر في جزيرة العرب بضعة أشهر على العموم، ومتى احتبس عمَّ الخراب، وأصبحت تلك البلادُ غير صالحة للسَّكن تقريباً، ويقترن القحط في جزيرة العرب بريح السَّموم في الغالب.
وريحُ السَّموم وعدم الماء أشدُّ ما تقاسيه القوافل في جزيرة العرب من أخطار، قال مسيو ديفِرْجِيه: «تعرف القافلة، وهي تتوغل في الصحراء، علامات ريح السَّموم الأولى، وهي: أن السماء تظهر في الأفق مَغرَاءَ ثم قَهْبَاء ودَكْنَاء والشمس تضعف أشعتها فتصبح حمراء، والرمال الناعمة تملأ الجو والهواء، والرياح تثيرها فتغدو كالبحر المزبد الذي تحركه العاصفة الهوجاء.
وهنالك تنقبض صدور السُّياح، وتحمر عيونهم، وتجف شفاههم، ويأخذون في الهرب هم وجمالهم التي تعدو تارةً وتقفُ أخرى؛ لتَطْمِرَ نحورَها في الرمل وتُمرَّغ