وكانت تلك النظم السياسية سبب عظمة العرب مع ما فيها من عوامل الضعف، ولا شيء أصوبُ من جَمع محمدٍ لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزَّأةً، ما استطعنا أن نُقَدِّر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم في قرنٍ واحد بعد أن كانوا قبائل من شِباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد.
وقد يؤدي مثل هذه النظم إلى عظمة الأمة أو انحطاطها تبعاً للزمن، وقد أوضحت هذا التناقض الظاهر في الفصل الذي خَصَّصْته في كتابي السابق لدرس ما لاستعداد المجتمعات من التأثير المتقلب في تطورها، فبعد أن بينت فيه أن الأمم التي خضعت لشرائع ثابتة استطاعت أن تخرج من طور الهمجية ذكرتُ أن الأمم المتمدنة التي داومت على التقدم هي التي تخلصت من دائرة تلك الشرائع بالتدريج. والعرب، الذين استطاعوا بفضل محمد أن يحققوا أحد ذينك الشرطين فيخرجوا من جاهليتهم، لم يَعرفوا كيف يلائمون الشرط الثاني فدخلوا دور الانحطاط، والعرب، بعد أن جاءهم رجل عظيم جمع