وتأثير الجو والعِرق من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى إيضاح كبير، وبما أن تركيب المرأة الجثماني وأمومتها وأمراضها ... إلخ. مما يُكرهها على الابتعاد عن زوجها في الغالب، وبما أن التَأَيُّمَ المؤقت مما يتعذر في جو الشرق، ولا يلائم مزاج الشرقيين، كان مبدأ تعدد الزوجات ضربَةَ لازب.
وفي الغرب، حيث الجو والمزاج أقل هيمنةً، لم يكن مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة في غير القوانين، لا في الطبائع حيث يَنْدُر.
ولا أرى سبباً لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبةً من مبدأ تعدد الزوجات السِّري عند الأوربيين، وأبُصِر العكس فأرى ما يجعله أسنى منه، وبهذا ندرك مغزى تعجب الشرقيين الذين يزورون مدننا الكبيرة من احتجاجنا عليهم ونظرِهم إلى هذا الاحتجاج شَزْراً.
ومن السهل أن ندرك علل إقرار الشرائع الشرقية لمبدأ تعدد الزوجات بعد أن نشأ عن العوامل الجثمانية المذكورة آنفاً، فحُبُّ الشرقيين الجمُّ لكثرة الأولاد، وميلهم الشديد إلى حياة الأسرة وخُلق الإنصاف الذي يردعهم عن ترك المرأة غير الشرعية بعد أن يَكرَهوها، خلافاً لما يقع في أوربة، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي أعود إليها عما قليل، كلها أمور تَحفِز الشرائع إلى تأييد العادات التي هي وليدة الطبائع، وإذا نظرنا إلى أن القوانين لا تلبث أن تطابق العادات كان لنا أن نقول: إن تعدد الزوجات غير الشرعي في أوربة لا يلبث أن تؤيده القوانين.
ومن أسباب تعدد الزوجات التي لم أذكرها بعدُ ما هو خاص ببعض الطبقات، وما يفيد بيانه للدلالة على سيطرته في بعض البلدان، حتى إن أكثر الأوربيين تديناً اضطروا إلى الاعتراف بضرورته حينما أنعموا النظر في الشعوب التي ظهر فيها مبدأ تعدد الزوجات؛ ومن ذلك أن رأى مؤلف كتاب «عمَّال الشرق» العالم «مسيو لُوبلِه» بيانَ الضرورة التي تدفع أرباب الأسر الزراعية في الشرق إلى زيادة عدد نسائهم، وكونَ النساء في هذه الأسر هن اللائي يُحرِّضن أزواجهن على البناء بزوجاتٍ أخُرَ من غير أن يتوجعن، قال مسيو لُوبله:
يتزوج ربُّ الأسرة صغيراً على العموم، وتضعف زوجته الأولى بعد أن تكون ذات أولاد كثيرة على حين يبقى تامَّ القوة، فيُضطر إلى الزواج مرةً أخرى بتحريض الزوجة الأولى غالباً وبموافقتها تقريباً ... وقد يَعجب المرء أولَ وهلةٍ، من حمل امرأةٍ زوجَها على الزواج بامرأة أخرى، ولكن العجب يزول