ويقيم ابن سينا الدليل على ما تقدم، ويقول:«إن الذي يدل على أن الماء سببٌ أساسي لذلك هو وجود حيوانات مائية وغيرها على كثير من الصخور، ولا تصدر المادة الترابية والصفراء التي تَسْتُر وجه الجبال عما يَصْدُر عنه هيكل الجبل، بل عن انحلال بقايا الأعشاب والوَحَل الذي يأتي به الماء، ومن المحتمل أن تأتي من وَحَل البحر القديم الذي كان يُغطِّي جميع الأرض فيما مضى.»
ومن ذلك ترى أن ابن سينا أبصر أن تحولات الكرة الأرضية لم تنشأ عن الطوفانات الكبيرة كما اعتقد كُوفيِه، وإنما هي نتيجة تطورات بطيئة تمَّت بتعاقب القرون كما أثبت ذلك علمُ الأرض الحديث.
وشاعت نظرية تطورات وجه الأرض بتنقل البحار، وتحول شكل الأرض بين العرب شيوعاً تدخُل به في أذهان الشعب كما نعلم ذلك من الرمز الآتي الذي نقطفه من كتاب العالم الطبيعيِّ القزوينيِّ الذي تكلمنا عنه آنفاً، قال القزويني:
قال الخَضِر: مررت بمدينة كثيرة الأهل والعِمارة، سألت رجلاً من أهلها: متى بُنيت هذه المدينة؟ فقال: هذه مدينة عظيمة ما عَرَفْنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، ثم اجتزتُ بها بعد خمسمائة سنة فلم أرَ للمدينة أثراً، ورأيت هنالك رجلاً يجمع العشب، فسألته: متى خَرِبَت هذه المدينة؟ فقال: لم تزل هذه الأرض كذلك، فقلت: أما كان ههنا مدينة؟ فقال: ما رأينا ههنا مدينة، ولا سمعنا بها عن آبائنا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام، فوجدتُ بها بحراً فلقيتُ هناك جمعاً من الصيادين، فسألتهم: متى صارت هذه الأرض بحراً؟ فقالوا: مثلك يسأل عن هذا! إنها لم تزل كذلك، قلت: أما كانت قبل ذلك يبساً؟ قالوا: ما رأيناه ولا سمعنا به عن آبائنا، ثم اجتزت بها بعد خمسمائة عام وقد يَبِسَت فلقيت بها شخصاً يختلي، فقلت: متى صارت هذه الأرض يبساً؟ فقال: لم تزل كذلك، فقلت له: أما كان بحرٌ قبل هذا؟ فقال: ما رأيناه ولا سمعنا به قبل هذا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام فوجدتها مدينةً كثيرة الأهل والعمارة أحسنَ مما رأيتُها أولاً، فسألتُ بعض أهلها: متى بُنيت هذه المدينة؟ فقال: إنها عمارة قديمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا.
وبحث علماء الطبيعة من العرب، أيضاً، في النباتات وفي تطبيقاتها على الطب على الخصوص، وأنشأوا حدائق زَرَعوا فيها أندر النباتات وأكثرها طرافةً، ومن ذلك أن