العرب استطاعتهم أن يصنعوا من مادة قاسية كالبِلَّوْر قطعاً كبيرة مغطَّاة بالصور والحِكَم مما يَعْسُر صنعه، ويغلو ثمنه في الزمن الحاضر، ومن ذلك الإبريق البلوريُّ الذي صُنع في القرن العاشر من الميلاد فتجده في متحف اللوفر، وتجد صورة له في هذا الكتاب مع صور نماذج كثيرة لمصنوعات العرب من المعدن والحجارة الثمينة.
وتجلت روح الإبداع العربية -على الخصوص- في ترصيع المعادن الصالحة لصنع الأسلحة والآنية والأباريق وكِفاف الموازين وأدوات المنازل ... وما إليها، وأطُلق اسم الدمشقي على منهاج العرب مشتقاً من اسم المدينة «دمشق» التي زاولته على الخصوص، وكانت دمشق والمَوصل أهمَّ مراكز هذه الصناعة، ولا تزال هذه الصناعة رائجةً في دمشق، ولكن على شكل منحط، ويعود انحطاطها، لا ريب إلى زمن تيمورلنك الذي استولى على دمشق في سنة ١٣٩٩ م، فساق جميع صانعي أسلحتها إلى سمرقند وخراسان.
ولا ترجِع المصنوعات المعدنية المكفتة العربية الموجودة الآن إلى أقدم من أوائل القرن العاشر من الميلاد، وأكثرُها صُنِع في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الميلاد، والأسلحة المصرية التي نشرنا صُورها في جزء آخر من هذا الكتاب هي لطومانباي (١٥١١ م)، وهي مصنوع على الطراز الفارسي العربي.
وإنني أقتبس وصف مسيو لافوا لطرق الشرق في التكفيت، وذلك مع التنبيه إلى أن ما ذكره عن صناعة التكفيت الحاضرة في القاهرة لم يكن غير ما في دمشق، فعمال القاهرة الذين يُحسنون التكفيت في زماننا قليلون جدٍّا، وأكثر ما في أسواق القاهرة من المصنوعات النحاسية هو من دمشق. قال مسيو لافوا:
وتُرى طُرُقٌ كثيرة لصناعة التكفيت عند الشرقيين، ويتمُّ التكفيت بإدخال خيط من الذهب أو الفضة إلى فرض محدثةٍ في المعدن بالِمنقاش واسعة القَعْر ضَيِّقَة الوجه، ويكون هذا الخيط بارزًا أو مسوىً على حسب رأي الصانع، فتارةً تُرَكَّب زهرة دقيقة من الذهب أو الفضة على أساس من الفولاذ أو النحاس بين خَطَّين متوازيين، وتطرَق الأطراف طرقًا خفيفًا، فيَنجم عن هذا ما يُشبه الإطار، وهذا ما يُفعل في دمشق غالبًا، وتارة يمر الصانع بمهارة عجيبة مِنقاشه الِمهمازِيَّ الشكل بسرعة على المعدن الذي يُرغب في زخرفته، ويُرَكَّب خيط الفضة بالِمدقِّ على هذه الأجزاء المعدة؛ ليعلَّق بها فتُمسكه، وهذا