وأنها كانت تشتمل في زمانه على عدة قصور تحيط بها الحدائق الواسعة، وعلى بيوتٍ مصنوعة من الحجارة المنحوتة ومحتويةٍ نوافذ زجاجية، وأن فيها عشرين مسجداً تعلو أكثرها قباب مذهبة فتساعد على تزيين هذه العاصمة القديمة.
وأتيح لغروتندن أن يزور صنعاء، فوصف موكب الإمام فيها يوم الجمعة بما يأتي:«يشق طريق المسجد خمسون أعرابياً مدججون بالسلاح سائرون ستة ستة منشدون بعض الأناشيد، فيأتي خلفهم أمراء البيت المالك راكبين عتاق الخيل حاملين رماحاً طويلة تعلوها رايات خفاقة، فيأتي الإمام خلف هؤلاء الأمراء ممتطياً صهوة جوادٍ أشهب ناهض من جياد الخيل التي تربى في صحراء الجوف بشمال صنعاء، والتي تعدل خيول نجد سرعة ورشاقةً وتزيد عليها علواً، حاملاً بيده اليمنى قناةً ذات قارية من فضة ومقبض من ذهب منقوش، متكئاً بيده اليسرى على كتف خصيًّ، تاركاً العنان لاثنين من عبيده، متقياً وهج الشمس بمظلة وسيعة مهدبة ذات جلاجل من فضة، فيأتي خلف الإمام سيف الخليفة مستظلاً بمظلة أقل أهمية من تلك، فيأتي خلف سيف الخليفة قائد الجيش وأقرباء الإمام وخواص ضباطه، فمائة أعرابي مسلح».
ولا تزال صنعاء أهم مدن جزيرة العرب، وقال مسيو هاليفي الذي زارها منذ زمن قريب:«يذكرنا فن عمارتها بالمباني الشهيرة التي شيدت على حسب فن العمارة الإسلامية».
وتشتهر مدن اليمن، ولا سيما الروضة القريبة من صنعاء، بحدائقها وبيوت لهوها، ويستعان في الروضة بالكرمة في صنع العرش كما يستعان بها في إيطالية.
وتقع بعد ثلاثين فرسخاً من صنعاء خرائب مدينة مأرب أو سبأ التي كانت عاصمة البلاد في غابر الأزمان، فغدت اليوم قريةً، وكانت تلك الخرائب تشتمل في زمن الإدريسي، الذي ألف كتابه في القرن الثاني عشر من الميلاد، على أنقاض قصرين أقام أحدهما سليمان وأقامت الآخر نساء داود (! ) وكانت الملكة التي زارت سليمان تملك سبأ كما روت كتب اليهود.
ومن بين من اليمن المشهورة نذكر المرفأين، مخا وعدن، الواقعين على البحر الأحمر، وتنحصر أهمية مدينة عدن المتهدمة، التي استولى عليها الإنكليز، في موقعها، وكانت عدن فيما مضى زاهرة كثيرة السكان، ومما قاله العالم الجغرافي الإدريسي عنها منذ ستمائة سنة «أنه يجلب إليها من السند والهند والصين ثمين الأدوات كنصال السيوف المرصعة والجلود المحببة والمسك وسروج الخيل، والفلفل والبهار والنارجيل والأبازير والهال،