شكل ٩ - ٣: إناء من البرونز مصنوع على الطراز الصيني العربي (من مجموعة شيفر، من صورة فتوغرافية التقطها المؤلف)
(٣) طريق الفلغا المؤدية إلى شمال أوربة باجتياز بلاد روسية؛ فأما الطريقان الأوليان: فكان يسلكهما عرب الأندلس، وأما الطريق الثالثة: فكان يسلُكها عرب المشرق.
وأقام العرب بجنوب فرنسة عدةَ قرون، وكان لا بد لهم من إيجاد صلاتٍ فيما وراء جبال البرنات، غير أنهم كانوا يفَضلون أن تَقصِد بِعثاتُهم التجارية سواحل البحر المتوسط على الخصوص، وأن يتصلوا فيها بأمم تجارية مهذبة أكثر من التي كانت تقطن بفرنسة أيام سلطانهم في إسبانية.
وكان العرب سادة البحر المتوسط، وكانوا يرسلون إلى جميع الموانئ الأوربية والإفريقية المحيطة بهم منتجاتِهم الصناعية والزراعية كالقطن والزعفران والورق والحرير الغرناطي والجلد القرطبي والنصال الطليطلية ... إلخ، وكانت المرافئ الإسبانية، قادس ومالقة وقرطاجنة ... إلخ، مراكز لنشاط يناقضه ما هي عليه الآن مناقضةً محزنة.
ولا نرى أي أثر لصلات العرب التجارية بشمال أوربة في كتب التاريخ القديمة التي انتهت إلينا، ولكن الوثائق التي هي أدقُّ من كتب التاريخ تُثبِت وجود تلك الصلات، وتدل على تاريخ بُداءتها ونهايتها فضلًا عن الطرق التي كانوا يسلكونها، وتتألف هذه الوثائق من نقودٍ تركها العرب في الطرق التي كانوا يمرون منها؛ فتكشف أعمال الحفر الحديثة عنها في كلِّ يوم.