وما وُفِّق العرب له في مصر من التأثير البالغ اتفق لهم مثلُه في كل بلد خَفَقَت فوقه رايتهم كإفريقية وسورية وفارس ... إلخ، وبلغ نفوذُهم بلادَ الهند التي لم يدخلوها إلا عابري سبيل، وبلغ بلادَ الصين التي لم يزوروها إلا تجاراً.
شكل ١٠ - ١: مقدم قصر شقوبية في الوقت الحاضر (من صورة فوتوغرافية)
ولا نرى في التاريخ أمةً ذات تأثير بارز كالعرب، وذلك أن جميع الأمم التي اتصل العرب بها اعتنقت حضارتهم، ولو حينًا من الزمن، وأن العرب لما غابوا عن مسرح التاريخ انتحل قاهروهم كالترك والمغول ... إلخ، تقاليدهم، وبَدَوا للعالم ناشرين لنفوذهم، أجل، ماتت حضارة العرب منذ قرون، ولكن العالم لا يعرف اليوم غير دين أتباع النبي ولغتهم في البلاد الممتدة من المحيط الأطلنطي إلى السند، ومن البحر المتوسط إلى الصحراء.
ولم يتجلَّ تأثير العرب في الشرق في الديانة واللغة والفنون وحدها، بل تجلى في ثقافته العلمية أيضاً، ومن ذلك أن المسلمين كانوا ذوي صلاتٍ مستمرة بالهند والصين، وأنهم نقلوا إليهما قسماً كبيراً من المعارف العلمية التي عدَّها الأوربيون من أصل هندوسي أو صيني فيما بعد، وقد أصاب سيديُّو في توكيد هذا الأمر فذكر -على سبيل المثال- أن العربي البيروني المتوفى سنة ١٠٣١ م أتحف الهندوس، في أثناء سياحته