قال ابن بطّال عن المُهلَّب (١): في هذا الحديث فضل الغنيّ نصّاً لا تأويلاً، إذا استوت أعمال الغنيّ والفقير فيما افترض الله عليهما، فللغنيّ حينئذٍ فضل عمل البرّ من الصّدقة ونحوها ممّا لا سبيل للفقير إليه.
قال: ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أنّ هذا الفضل يخصّ الفقراء دون غيرهم، أي: الفضل المترتّب على الذّكر المذكور، وغفل عن قوله في نفس الحديث " إلاَّ من صنع مثل ما صنعتم " , فجعل الفضل لقائله كائناً من كان.
وقال القرطبيّ: تأوّل بعضهم قوله " ذلك فضل الله يؤتيه " بأن قال: الإشارة راجعة إلى الثّواب المترتّب على العمل الذي يحصل به التّفضيل عند الله، فكأنّه قال: ذاك الثّواب الذي أخبرتكم به لا يستحقّه أحد بحسب الذّكر ولا بحسب الصّدقة، وإنّما هو بفضل الله.
قال: وهذا التّأويل فيه بُعدٌ، ولكن اضطرّه إليه ما يعارضه.
وتعقّب: بأنّ الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التّعسّف.
وقال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث القريب من النّصّ أنّه فضّل الغنيّ، وبعض النّاس تأوّله بتأويلٍ مستكره كأنّه يشير إلى ما تقدّم.
قال: والذي يقتضيه النّظر أنّهما إن تساويا وفضّلت العبادة الماليّة
(١) المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله الاسدي. تقدمت ترجمته (١/ ١٢).