أنّه يكون الغنيّ أفضل، وهذا لا شكّ فيه، وإنّما النّظر إذا تساويا وانفرد كلّ منهما بمصلحةٍ ما هو فيه أيّهما أفضل؟.
إن فُسّر الفضل بزيادة الثّواب , فالقياس يقتضي أنّ المصالح المتعدّية أفضل من القاصرة فيترجّح الغنيّ.
وإن فُسّر بالأشرف بالنّسبة إلى صفات النّفس , فالذي يحصل لها من التّطهير بسبب الفقر أشرف فيترجّح الفقر، ومن ثَمَّ ذهب جمهور الصّوفيّة إلى ترجيح الفقير الصّابر.
وقال القرطبيّ: للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال.
ثالثها: الأفضل الكفاف، رابعها: يختلف باختلاف الأشخاص، خامسها: التّوقّف.
وقال الكرمانيّ: قضيّة الحديث أنّ شكوى الفقر تبقى بحالها. وأجاب: بأنّ مقصودهم كان تحصيل الدّرجات العلا والنّعيم المقيم لهم أيضاً لا نفي الزّيادة عن أهل الدّثور مطلقاً. انتهى.
والذي يظهر أنّ مقصودهم إنّما كان طلب المساواة.
ويظهر أنّ الجواب وقع قبل أن يعلم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ متمنّي الشّيء يكون شريكاً لفاعله في الأجر كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود الذي أوّله " لا حسد إلاَّ في اثنتين " , فإنّ في رواية التّرمذيّ من وجه آخر التّصريح: بأنّ المنفق والمتمنّي إذا كان صادق النّيّة في الأجر سواء (١).
(١) سنن الترمذي (٢٣٢٥) عن أبي كبشة الأنماري: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وفيه: أحدثكم حديثاً فاحفظوه. قال: إنما الدنيا لأربعة نفر. عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً. فهذا بأفضل المنازل , وعبد رزقه الله علماً ولَم يرزقه مالاً فهو صادق النية. يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان فهو نيته. فأجرهما سواء , وعبد رزقه الله مالاً ولَم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علمٍ. لا يتقى فيه ربه , ولا يصل فيه رحمه , ولا يعلم لله فيه حقاً. فهذا بأخبث المنازل , وعبد لَم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ فهو نيته. فوزرهما سواء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح