للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء " وترجم البخاري على الحديث بقوله: الجلوس حيثما تيسّر.

قال المُهلَّب: هذه التّرجمة قائمة من دليل الحديث، وذلك أنّه نهى عن حالتين ففهم منه إباحة غيرهما ممّا تيسّر من الهيئات والملابس إذا ستر العورة.

قلت: والذي يظهر لي أنّ المناسبة تؤخذ من جهة العدول عن النّهي عن هيئة الجلوس إلى النّهي عن لبستين يستلزم كلّ منهما انكشاف العورة، فلو كانت الجلسة مكروهة لذاتها لَم يتعرّض لذكر اللّبس، فدلَّ على أنّ النّهي عن جلسة تفضي إلى كشف العورة وما لا يفضي إلى كشف العورة يباح في كلّ صورة.

ثمّ ادّعى المُهلَّب: أنّ النّهي عن هاتين اللبستين خاصّ بحالة الصّلاة لكونهما لا يستران العورة في الخفض والرّفع، وأمّا الجالس في غير الصّلاة فإنّه لا يصنع شيئاً ولا يتصرّف بيديه فلا تنكشف عورته فلا حرج عليه، قال: وقد سبق أنّه - صلى الله عليه وسلم - احتبى. (١)


(١) يشير إلى ما أخرجه البخاري (٦٢٧٢) في باب (الاحتباء باليد. وهو القرفصاء) من طريق محمد بن فليح عن أبيه عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفناء الكعبة محتبياً بيده هكذا.
قال الحافظ في " الفتح " (١١/ ٦٦): كذا وقع عنده مختصراً. ورويناه في الجزء السادس من " فوائد أبي محمد بن صاعد " من طريق أبي غزية محمد بن موسى الأنصاري نحوه. وزاد " فأرانا فليحٌ موضع يمينه على يساره موضع الرسغ " وأبو غزية ضعَّفه ابن معين وغيره.
ووقع عند أبي داود من حديث أبي سعيد , أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس احتبى بيديه. زاد البزار: ونصب ركبتيه. وأخرج البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ " جلس عند الكعبة فضمَّ رجليه فأقامهما , واحتبى بيديه ".
ويستثنى من الاحتباء باليدين ما إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيديه , فينبغي أن يمسك إحداهما بالأخرى. كما وقعت الإشارة إليه في هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى , ولا يشبّك بين أصابعه في هذه الحالة. فقد ورد النهي عن ذلك عند أحمد من حديث أبي سعيد. بسند لا بأس به. والله أعلم
وقال ابن بطال: لا يجوز للمحتبي أن يصنع بيديه شيئاً ويتحرك لصلاة أو غيرها , لأنَّ عورته تبدو إلاَّ إذا كان عليه ثوب يستر عورته فيجوز , وهذا بناءً على أنَّ الاحتباء قد يكون باليدين فقط. وهو المعتمد.
وفرَّق الداودي فيما حكاه عنه ابن التين: بين الاحتباء والقرفصاء , فقال: الاحتباء أن يقيم رجليه , ويفرج بين ركبتيه , ويُدير عليه ثوباً ويعقده. فإنْ كان عليه قميصٌ أو غيرُه فلا ينهى عنه , وإن لَم يكن عليه شيء فهو القرفصاء.
كذا قال , والمعتمد ما تقدم. انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>