للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استقلت ما فات عنّي إذا استدركه، فالمراد بالاستقالة فسخ النّادم منهما للبيع.

وحملوا نفي الحلّ على الكراهة , لأنّه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم، إلَّا أنّ اختيار الفسخ حرامٌ.

قال ابن حزمٍ: احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيبٍ على التّفرّق بالكلام لقوله فيه " خشية أن يستقيله " لكون الاستقالة لا تكون إلَّا بعد تمام البيع، وصحّة انتقال الملك تستلزم أن يكون الخبر المذكور لا فائدة له لأنّه يلزم من حمل التّفرّق على القول إباحة المفارقة، خشي أن يستقيله أو لَم يخش.

وقال بعضهم: التّفرّق بالأبدان في الصّرف قبل القبض يبطل العقد. فكيف يثبت العقد ما يبطله؟.

وتعقّب: باختلاف الجهة وبالمعارضة بنظيره، وذلك أنّ النّقد وترك الأجل شرطٌ لصحّة الصّرف وهو يفسد السّلم عندهم.

واحتجّ الطّحاويّ بقول ابن عمر " ما أدركت الصّفقة حيّاً مجموعاً فهو من مال المبتاع " (١)


(١) علّقه البخاري في " صحيحه ". ووصله الدارقطني (٤/ ٦) والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (١٣/ ٢٥٦) من حديث حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
قال ابن حجر في " التغليق " (٣/ ٢٤٣): صحيح الإسناد.
وقال في " الفتح " (٤/ ٣٥٢): قوله (ما أدركت الصفقة) أي: العقد. (حياً) أي بمهملة وتحتانية مثقلة مجموعاً. أي لم يتغير عن حالته فهو من المبتاع. أي من المشتري. وإسناد الإدراك إلى العقد مجاز. أي ما كان عند العقد موجوداً وغير منفصل.
قال الطحاوي: ذهب ابن عمر إلى أنَّ الصفقة إذا أدركت شيئاً حياً فهلك بعد ذلك عند البائع فهو من ضمان المشتري , فدلَّ على أنه كان يرى أنَّ البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة بالأبدان. انتهى
وما قاله ليس بلازم , وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرَّح به؟ فابن عمر قد تقدم عنه التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان.
والمنقول عنه هنا: يحتمل أن يكون قبل التفرق بالأبدان , ويحتمل أن يكون بعده فحمله على ما بعده أولى جمعا بين حديثيه.
وقال ابن حبيب: اختلف العلماء فيمن باع عبداً واحتبسه بالثمن فهلك في يديه قبل أن يأتي المشتري بالثمن. فقال سعيد بن المسيب وربيعة: هو على البائع , وقال سليمان بن يسار: هو على المشتري. ورجع إليه مالك بعد أنْ كان أخذ بالأول , وتابعه أحمد وإسحاق وأبو ثور , وقال بالأول الحنفية والشافعية.
والأصل في ذلك اشتراط القبض في صحة البيع. فمن اشترطه في كل شيء جعله من ضمان البائع , ومن لم يشترطه جعله من ضمان المشتري. والله أعلم.
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس في ذلك تفصيلاً قال: إن قال البائع: لا أعطيكه حتى تنقدني الثمن فهلك فهو من ضمان البائع , وإلَّا فهو من ضمان المشتري.
وقد فسر بعض الشراح المبتاع في أثر ابن عمر بالعين المبيعة وهو جيد.
وقد سئل الإمام أحمد. عمن اشترى طعاماً فطلب من يحمله فرجع فوجده قد احترق؟ فقال هو من ضمان المشتري. وأورد أثر ابن عمر المذكور بلفظ فهو من مال المشتري.
وفرَّع بعضهم على ذلك أنَّ المبيع إذا كان معيناً دخل في ضمان المشتري بمجرد العقد - ولو لم يقبض - بخلاف ما يكون في الذمة فإنه لا يكون من ضمان المشتري إلَّا بعد القبض. كما لو اشترى قفيزاً من صبرة. والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>