فإن قيل: ما أنكر إلَّا إرادة الاشتراط في أوّل الأمر، فالجواب: أنّ سياق الحديث يأبى ذلك. وضعّفه أيضاً ابن دقيق العيد , وقال: اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النّافع، بل على مطلق الاختصاص، فلا بدّ في حملها على ذلك من قرينةٍ.
الوجه الثالث: الأمر في قوله: " اشترطي " للإباحة، وهو على جهة التّنبيه على أنّ ذلك لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواءٌ، وكأنّه يقول: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم.
ويقوّي هذا التّأويل. قوله في رواية أيمن عند البخاري " اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا "
الوجه الرابع: قيل: كان النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعلمَ النّاسَ بأنّ اشتراط البائع الولاء باطل، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة، فلمّا أرادوا أن يشترطوا ما تقدّم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريداً به التّهديد على مآل الحال كقوله:(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) وكقول موسى: (ألقُوا ما أنتم ملقون) أي: فليس ذلك بنافعكم، وكأنّه يقول: اشترطي لهم فسيعلمون أنّ ذلك لا ينفعهم.
ويؤيّده قوله حين خطبهم " ما بال رجال يشترطون شروطاً إلخ " فوبّخهم بهذا القول مشيراً إلى أنّه قد تقدّم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لَم يتقدّم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل، لأنّه كان يكون باقياً على البراءة الأصليّة.
الوجه الخامس: قيل: الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر