وعُرف من مجموع ما ذكرنا: أنّ الوصيّة قد تكون واجبة. وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر. ومكروهة في عكسه. ومباحة فيمن استوى الأمران فيه. ومحرّمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن ابن عبّاس: الإضرار في الوصيّة من الكبائر. رواه سعيد بن منصور موقوفاً بإسنادٍ صحيح، ورواه النّسائيّ. ورجاله ثقات.
واحتجّ ابن بطّال تبعاً لغيره , بأنّ ابن عمر لَم يوص. فلو كانت الوصيّة واجبة لَما تركها وهو راوي الحديث.
وتعقّب: بأنّ ذلك إن ثبت عن ابن عمر. فالعبرة بما روى لا بما رأى، على أنّ الثّابت عنه في صحيح مسلم كما تقدّم أنّه قال: لَم أبت ليلة إلَّا ووصيّتي مكتوبة عندي.
والذي احتجّ بأنّه لَم يوص , اعتمد على ما رواه حمّاد بن زيد عن أيّوب عن نافع قال: قيل لابن عمر في مرض موته: ألا توصي؟ قال: أمّا مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه، وأمّا رِباعيّ فلا أحبّ أن يشارك ولدي فيها أحدٌ. أخرجه ابن المنذر وغيره. وسنده صحيح.
ويجمع بينه وبين ما رواه مسلم. بالحمل على أنّه كان يكتب وصيّته ويتعاهدها؛ ثمّ صار ينجّز ما كان يوصي به معلقاً، وإليه الإشارة بقوله:" فالله يعلم ما كنت أصنع في مالي ".
ولعلَّ الحاملَ له على ذلك حديثه الذي في البخاري " إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح " الحديث، فصار ينجّز ما يريد التّصدّق به فلم يحتج إلى تعليق.