ومحل وجوب الوصيّة إنّما هو فيما إذا كان عاجزاً عن تنجيز ما عليه وكان لَم يعلم بذلك غيره ممّن يثبت الحقّ بشهادته، فأمّا إذا كان قادراً أو علم بها غيره فلا وجوب.
قال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أنّ من لَم يكن عنده إلَّا اليسير التّافه من المال , أنّه لا تندب له الوصيّة.
وفي نقل الإجماع نظرٌ، فالثّابت عن الزّهريّ أنّه قال: جعل الله الوصيّة حقّاً فيما قلَّ أو كثر.
والمصرّح به عند الشّافعيّة ندبيّة الوصيّة من غير تفريق بين قليل وكثير.
نعم. قال أبو الفرج السّرخسيّ منهم: إن كان المال قليلاً والعيال كثيراً استحبّ له توفرته عليهم، وقد تكون الوصيّة بغير المال كأنّه يعيّن من ينظر في مصالح ولده أو يعهد إليهم بما يفعلونه من بعده من مصالح دينهم ودنياهم، وهذا لا يدفع أحد ندبيّته.
واختلف في حدّ المال الكثير في الوصيّة.
فعن عليٍّ: سبعمائة مال قليل، وعنه: ثمانمائة مال قليل، وعن ابن عبّاس نحوه، وعن عائشة: فيمن ترك عيالاً كثيراً وترك ثلاثة آلاف ليس هذا بمالٍ كثير.
وحاصله: أنّه أمر نسبيّ يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. والله أعلم.