للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخوارج لا يكفرون ببدعتهم.

قلت: ولِما قاله مالك وجهٌ، وهو أنّ منهم من يكفّر كثيراً من الصّحابة ممّن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنّة وبالإيمان , فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشّهادة المذكورة , لا من مجرّد صدور التّكفير منهم بتأويل.

والتّحقيق: أنّ الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم.

وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به.

وقيل: يخشى عليه أن يئول به ذلك إلى الكفر كما قيل: المعاصي بريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصرّ عليها سوء الخاتمة.

وأرجح من الجميع , أنّ مَن قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام , ولَم يقم له شبهة في زعمه أنّه كافر , فإنّه يكفر بذلك. كما سيأتي تقريره.

فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالرّاجع التّكفير لا الكفر، فكأنّه كفَّر نفسه لكونه كفَّر مَن هو مثله، ومن لا يكفّره إلَّا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام.

ويؤيّده أنّ في بعض طرقه " وجب الكفر على أحدهما ". (١)


(١) أي طرق حديث ابن عمر في الصحيحين المذكور في الشرح. وليس حديث الباب.
وقد أخرجه بهذا اللفظ: أبو عوانة في " مستخرجه على مسلم " (٥٣) والطحاوي في " شرح مشكل الآثار (٨٥٥) والطبراني في " الأوسط " (١١١) وغيرهم من طريق بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر به.
وهو في صحيح مسلم (٦٠) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع. بلفظ " باء بها .. " كما تقدَّم. وكذا أخرجاه من وجه آخر عن ابن عمر بهذا اللفظ. كما تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>