وفي مرسل أبي سعيد " بعث إلى أهله. فقال: أشتكى به جِنّة؟ فقالوا: يا رسولَ الله إنّه لصحيح ".
ويجمع بينهما: بأنّه سأله ثمّ سأل عنه احتياطاً، فإنّ فائدة سؤاله أنّه لو ادّعى الجنون لكان في ذلك دفع لإقامة الحدّ عليه حتّى يظهر خلاف دعواه، فلمّا أجاب بأنّه لا جنون به سأل عنه لاحتمال أن يكون كذلك ولا يعتدّ بقوله.
ومعنى الاستفهام. هل كان بك جنون , أو هل تجنّ تارة وتفيق تارة؟ , وذلك أنّه كان حين المخاطبة مفيقاً.
ويحتمل: أن يكون وجّه له الخطاب , والمراد استفهام من حضر ممّن يعرف حاله , وعند أبي داود من طريق نعيم بن هزّال قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي , فأصاب جارية من الحيّ، فقال له أبي: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك , ورجاء أن يكون له مخرج " فذكر الحديث.
قال عياض: فائدة سؤاله أبك جنون , ستراً لحاله واستبعاد أن يلحّ عاقلٌ بالاعتراف بما يقتضي إهلاكه، ولعله يرجع عن قوله، أو لأنّه سمعه وحده، أو ليتمّ إقراره أربعاً عند من يشترطه. وأمّا سؤاله قومه عنه بعد ذلك , فمبالغة في الاستثبات.
وتَعقّب بعضُ الشّرّاح قوله " أو لأنّه سمعه وحده ": بأنّه كلام ساقط , لأنّه وقع في نفس الخبر أنّ ذلك كان بمحضر الصّحابة في المسجد.