أولاً: أنّ ظاهر الحديث يدلّ على أنّ ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم حيث لا بيّنة هناك ولا يمينٌ، وليس النّزاع فيه , وإنّما النّزاع في الحكم المرتّب على الشّهادة.
ثانياً: أنّ " مَن " في قوله " فمَن قضيت له " شرطيّة , وهي لا تستلزم الوقوع , فيكون من فرض ما لَم يقع , وهو جائز فيما تعلق به غرضٌ , وهو هنا محتمل لأَنْ يكون للتّهديد والزّجر عن الإقدام على أخذ أموال النّاس باللسن والإبلاغ في الخصومة، وهو وإن جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطناً في العقود والفسوخ , لكنّه لَم يسق لذلك , فلا يكون فيه حجّة لمن منع.
ثالثاً: أنّ الاحتجاج به يستلزم أنّه - صلى الله عليه وسلم - يقرّ على الخطأ , لأنّه لا يكون ما قضى به قطعة من النّار إلَّا إذا استمرّ الخطأ، وإلا فمتى فرض أنّه يطّلع عليه , فإنّه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويردّ الحقّ لمستحقّه.
وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإمّا أن يسقط الاحتجاج به ويؤوّل على ما تقدّم، وإمّا أن يستلزم استمرار التّقرير على الخطأ وهو باطل.
والجواب عن الأوّل: أنّه خلاف الظّاهر، وكذا الثّاني.
والجواب عن الثّالث: أنّ الخطأ الذي لا يقرّ عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لَم يوح إليه فيه، وليس النّزاع فيه , وإنّما النّزاع في الحكم الصّادر منه بناءً على شهادة زورٍ أو يمينٍ فاجرة فلا يُسمّى خطأ للاتّفاق على وجوب العمل بالشّهادة وبالإيمان، وإلَّا لكان الكثير من الأحكام يسمّى خطأ وليس كذلك.