ثبتت الأخبار عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تحريم المسكر، ثمّ ساق كثيراً منها.
ثمّ قال: والأخبار في ذلك كثيرة , ولا مساغ لأحدٍ في العدول عنها والقول بخلافها، فإنّها حجج قواطع.
قال: وقد زلَّ الكوفيّون في هذا الباب , ورووا أخباراً معلولةً لا تعارض هذه الأخبار بحالٍ، ومن ظنّ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب مسكراً فقد دخل في أمر عظيم وباءَ بإثمٍ كبير، وإنّما الذي شربه كان حلواً ولَم يكن مسكراً.
وقد روى ثمامة بن حزن القشيريّ , أنّه سأل عائشة عن النّبيذ , فدعت جارية حبشيّة , فقالت: سل هذه، فإنّها كانت تنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الحبشيّة: كنت أنبذ له في سقاء من الليل وأوكيه وأعلقه , فإذا أصبح شرب منه. أخرجه مسلم.
وروى الحسن البصريّ عن أمّه عن عائشة نحوه.
ثمّ قال: فقياس النّبيذ على الخمر بعلة الإسكار والاضطراب من أجلّ الأقيسة وأوضحها، والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النّبيذ، ومن ذلك أنّ عِلَّة الإسكار في الخمر لكون قليله يدعو إلى كثيره موجودة في النّبيذ، لأنّ السّكر مطلوب على العموم، والنّبيذ عندهم عند عدم الخمر يقوم مقام الخمر , لأنّ حصول الفرح والطّرب موجود في كلّ منهما، وإن كان في النّبيذ غلظ وكدرة وفي الخمر رقّة وصفاء , لكن الطّبع يحتمل ذلك في النّبيذ لحصول السّكر كما تحتمل المرارة في الخمر لطلب السّكر.