ونقل عن مالك: أنَّ ذلك مؤثّر في الصلاة بشرط شغله عنها , وأنه قال: يعيد في الوقت وبعده , وتأوَّله بعض أصحابه على أنه شغله حتى إنه لا يدري كيف صلَّى فهو الذي يعيد قبل وبعد , وإلاّ فإن كان خفيفاُ فهو الذي يعيد في الوقت. قال القاضي عياض: وكلهم مجمعون على أنه إن بلغ به ما لا يعقل به صلاته , ولا يضبط حدودها أنه لا يجوز له الدخول فيها , وأنه يقطع الصلاة وإنْ أصابه ذلك فيها , قال: وهذا الذي قدمناه في التأويل. وكلام القاضي فيه بعض احتمال. والتحقيق: ما أشرنا إليه أولاً , لأنه إن منع من ركن أو شرط امتنع الدخول , وفسدت باختلالهما , وإلاّ فهو مكروه إن نُظر إلى المعنى , أو ممتنع إن نُظر إلى ظاهر النهي فلا يقتضي ذلك الإعادة على مذهب الشافعي. وأما ما ذكره من التأويل: في أنه لا يدري كيف صلَّى , وما قاله القاضي: إن بلغ به ما لا يعقل صلاته , فإن أريد بذلك الشكَّ في شيء من الأركان فحكمه حكم من شك في ذلك بغير هذا السبب - وهو البناء على اليقين - وإن أريد به أنه يذهب خشوعه بالكلية فحكمه حكم من صلَّى بغير خشوع , ومذهب جمهور الأمة أنَّ ذلك لا يبطل الصلاة. قلت: ولأَصحابنا وجه ببطلانها , وحكاه أبو عبد الله بن خفيف قولاً عن الشافعي , أفاده عنه ابن العطار , ثم استغربه جدّا. وهو كما ذكر. ثم بحث الشيخ تقي الدين مع القاضي في قوله: لا يضبط حدودها بذلك أيضاً. قال: وهذا الذي ذكرناه إنما هو بالنسبة إلى اعادة الصلاة , وأما بالنسبة إلى جواز الدخول فيها فقد يقال: إنه لا يجوز له أن يدخل في صلاةٍ لا يتمكن فيها ذكر إقامة أركانها وشرائطها. فتلخص أنَّ لمدافع الأخبثين أربعة أحوال. الحالة الأولى: أن يكون بحيث لا يعقل بسببهما الصلاة وضبط حدودها , فلا تحل له الصلاة ولا الدخول فيها إجماعاً. الحالة الثانية: أن يكون بحيث يعقلها مع ذهاب خشوعه بالكلية. الحالة الثالثة: أن يكون بحيث يؤدي إلى الإخلال بركنٍ أو شرطٍ. الحالة الرابعة: أن يكون بحيث يؤدي إلى الشك في شيء من الأركان , وقد عرفت =