للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وفي ذلك بحث؛ وهو: أنَّ الخطاب المجمل يبين بأول الأفعال وقوعاً , فلا يكون ما وقع بعده بياناً له بوقع البيان بالأول , بل تبقى أفعالاً مجردة لا تدل على الوجوب , إلاَّ أن يدل دليل على أنَّ الفعل المستدل به بياناً , فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجوده , بل قد يقوم الدليل على خلافه: كمن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل فعلاً , وهو من أصاغر الصحابة الذين لهم تمييز بعد أقامته - صلى الله عليه وسلم - مدة للصلاة مثلاً؛ فهذا مقطوعٌ بتأخيره عن وقت البيان , وكذا من أسلم بعد مكة وأخبر برؤية الفعل , فإنه حينئذ يتحقق تأخير الفعل.
قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: وهذا تحقيق بالغ , قال: وقد يجاب عنه بأنْ يقال: دلَّ الدليل من الحديث المعين على وقوع هذا الفعل , والأصل عدم غيره , فتعين أن يكون بياناً , وهذا قوي فيما إذا وجدنا فعلاً لَم يقم الدليل على عدم وجوبه , فأما إذا وجد فإن جعلناه مبيناً بدلالة الأصل على عدم غيره , ودلّ الدليل على عدم وجوبه لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت فيه أولاً , ولا شك أنَّ مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.
خامسها: قولها: يستفتح الصلاة بالتكبير " تعني بالتكبير الذي هو تحريم للصلاة , كما ثبت: تحريمها التكبير. صحَّحه الحاكم من حديث أبي سعيد على شرط مسلم , ولا شك أنَّ التحريم لا يحصل بالتكبير وحده , بل به وبالنية , وهما أمران أحدهما قائم بالقلب , والثاني بالمنطق , فيتحمل أنها عبرت بالأخص عن الأعم للعلم به.
ويحتمل: أنها ذكرتْه للتنبيه على تعيّن لفظ التكبير دون غيره , وأن استفتاح الصلاة بالنية كان معلوماً عندهم , وهي قصد الطاعة بالصلاة , كما أنَّ الإخلاص في الطاعة لله لا بدَّ منه في الاستفتاح وغيره , وهو تصفية العمل من الشوائب , بأن لا يقصد بالعمل للنفس , ولا للهوى , ولا للدنيا , بل للتقرب إلى الله تعالى فكذلك النية , وكلاهما كان عندهم معلوماً , فلهذا استغنت بذكر التكبير عنهما , ونقل خلاف ذلك عن بعض المتقدمين.
قال الشيخ تقي الدين: تأوله بعضهم على مالك , والمعروف خلافه عنه وعن غيره.
سادسها: تكبيرة الإحرام: ركن على المشهور عندنا , وبه قال مالك.
وقيل: شرط , حكاه الروياني في بحره , وهو مقتضى قول الطبري في الصلاة الرباعية: خمسة وأربعون خصلة: ثمانية منها قبل الدخول , النية والتكبير , ثم عد باقي الشروط , وهو مذهب أبي حنيفة.
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبّر وفي يده نجاسة ثم ألقاها في أثناء التكبير , أو شرع في =

<<  <  ج: ص:  >  >>