وفيه نظرٌ لثبوته عن بعض الصّحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره، ولعلهم أرادوا أنّ الأمر استقرّ على ذلك.
وأخرج الشيخان حديث أبي هريرة: وإن لَم تزد على أمّ القرآن أجزأت. (١) ولابن خزيمة من حديث ابن عبّاسٍ , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قام فصلَّى ركعتين لَم يقرأ فيها إلاَّ بفاتحة الكتاب.
وقد ذكر البخاريّ في " صحيحه " حديث أبي هريرة في قصّة المسيء صلاته وموضع الحاجة منه قوله " ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن " , وكأنّه أشار بإيراده عقب حديث عبادة , أنّ الفاتحة إنّما تتحتّم على من يحسنها، وأنّ من لا يحسنها يقرأ بما تيسّر عليه، وأنّ إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيّد بالفاتحة كما في حديث عبادة.
قال الخطّابيّ: قوله " ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن " ظاهر الإطلاق التّخيير؛ لكنّ المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة، وهو كقوله تعالى (فما استيسر من الهدي) ثمّ عيّنت السّنّة المراد.
(١) قال الحافظ في " الفتح " في " باب ما أسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القراءة وما أخفاه ": وفيه استحباب السّورة أو الآيات مع الفاتحة , وهو قول الجمهور في الصّبح والجمعة والأوليين من غيرهما، وصحّ إيجاب ذلك عن بعض الصّحابة وهو عثمان بن أبي العاص، وقال به بعض الحنفيّة وابن كنانة من المالكيّة، وحكاه القاضي الفرّاء الحنبليّ في الشّرح الصّغير روايةً عن أحمد، وقيل: يستحبّ في جميع الرّكعات وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم.