رواية أبي داود الطّيالسيّ عن شعبة، ولَم يبيّن مسلم صورة المسألة، وقد بيّنها أبو يعلى والسّرّاج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود , أنّ السّؤال كان عن افتتاح القراءة بالبسملة.
وأصرح من ذلك رواية ابن المنذر عن طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة قال: سألت أنساً: أيقرأ الرّجل في الصّلاة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فقال: صليت وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر , فلم أسمع أحداً منهم يقرأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , فظهر اتّحاد سؤال أبي سلمة وقتادة.
وغايته أنّ أنساً أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة، فلعله تذكّره لَمّا سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي سلمة " ما سألني عنه أحد قبلك " , أو قاله لهما معاً فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإنّ قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع.
وإذا انتهى البحث إلى أنّ محصّل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الرّوايات عنه , فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدّمت على نفيه، لمجرّد تقديم رواية المثبت على النّافي؛ لأنّ أنساً يبعد جدّاً أن يصحب النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مدّة عشر سنين ثمّ يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين سنةً فلم يسمع منهم الجهر بها في صلاةٍ واحدةٍ، بل لكون أنسٍ اعترف بأنّه لا يحفظ هذا الحكم كأنّه لبعد عهده به، ثمّ تذكّر منه الجزم بالافتتاح بالحمد جهراً ولَم يستحضر الجهر بالبسملة، فيتعيّن الأخذ بحديث من أثبت