فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب , في قوله " عليك أيّها النّبيّ " مع أنّ لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السّياق , كأن يقول السّلام على النّبيّ , فينتقل من تحيّة الله إلى تحيّة النّبيّ ثمّ إلى تحيّة النّفس ثمّ إلى الصّالحين.
أجاب الطّيبيّ بما محصّله: نحن نتّبع لفظ الرّسول بعينه الذي كان علمه الصّحابة. ويحتمل: أن يقال على طريق أهل العرفان: إنّ المُصلِّين لَمّا استفتحوا باب الملكوت بالتّحيّات أذن لهم بالدّخول في حريم الحيّ الذي لا يموت فقرّت أعينهم بالمناجاة , فنبّهوا على أنّ ذلك بواسطة نبيّ الرّحمة وبركة متابعته , فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر , فأقبلوا عليه قائلين: السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. انتهى
وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا , ما يقتضي المغايرة بين زمانه - صلى الله عليه وسلم - فيقال بلفظ الخطاب، وأمّا بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو ممّا يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي صحيح البخاريّ من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التّشهّد قال: وهو بين ظهرانينا، فلمّا قبض قلنا: السّلام. يعني على النّبيّ.
كذا وقع في البخاريّ، وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه " والسّرّاج والجوزقيّ وأبو نعيمٍ الأصبهانيّ والبيهقيّ من طرق متعدّدة إلى أبي نعيمٍ - شيخ البخاريّ فيه - بلفظ " فلمّا قبض قلنا: السّلام على النّبيّ " بحذف لفظ " يعني "، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن