قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيَلْحَقُ فِي ذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ) عَلَى (حَرْبِيٍّ أَوْ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إتْلَافُهُمَا. وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهِمَا. وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا.
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَهُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ جِهَةُ بِرٍّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ لِأَنَّهَا آدَابٌ وَضْعِيَّةٌ، يَعْنِي قَدْ اُصْطُلِحَ عَلَى وَضْعِهَا. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ.
وَيَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا. وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسُ الْحَائِطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ. لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ. لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ.
وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قُطَّاعِ طَرِيقٍ وَلَا الْمَغَانِي وَلَا الْمُتَمَسْخِرِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ. وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّهُ لَوْ زَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ، وَيَلْغُو شَرْطُهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى نَفْسِهِ) نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو طَالِبٍ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا. وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ. وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَيَنْصَرِفُ) الْوَقْفُ (إلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ) فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ. فَكَأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ فَمِلْكُهُ بِحَالٍ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ (وَعَنْهُ يَصِحُّ) الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ.
قَالَ (الْمُنَقِّحُ) فِي التَّنْقِيحِ (اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَارِثِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَالْمَجْدِ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) فِي زَمَنِنَا وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ (وَهُوَ أَظْهَرُ) .
وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute