(وَلَوْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ أَوْ سَقَطَ تَمَيُّزُهُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ) كَأَنْ صَارَ لَا يَعْرِفُ ثَوْبَهُ مِنْ ثَوْبِ غَيْرِهِ (وَيُؤَاخَذُ) السَّكْرَانُ الَّذِي يَقَعُ طَلَاقُهُ (بِسَائِرِ أَقْوَالِهِ وَ) بِ (كُلِّ فِعْلٍ) صَدَرَ مِنْهُ (يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ كَإِقْرَارٍ، وَقَذْفٍ، وَظِهَارٍ، وَإِيلَاءٍ، وَقَتْلٍ، وَسَرِقَةٍ، وَزِنًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَوَقْفٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَغَصْبٍ، وَتَسَلُّمِ مَبِيعٍ، وَقَبْضِ أَمَانَةٍ، وَغَيْرِهَا ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ ; وَلِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فِيمَا يُدْخِلُ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ فَأَلْزَمَ حُكْمُ تَفْرِيطِهِ عُقُوبَةً لَهُ.
وَ (لَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِنْ مُكْرَهٍ) عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ، وَنَحْوَهُ (لَمْ يَأْثَمْ) بِسُكْرِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنْ زَادَ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَلِيلٍ لَا يُسْكِرُهُ فَشَرِبَ مَا أَسْكَرَهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ.
(وَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ ظُلْمًا) لِلْخَبَرِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَحَاكِمٍ يُكْرِهُ مُولِيًا بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وَأَبَى الْفَيْئَةَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ (بِعُقُوبَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِكْرَاهٍ كَضَرْبٍ، وَخَنْقٍ، وَعَصْرِ سَاقٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَا يَرْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى يُطَلِّقَ فَمَا فَاتَ مِنْهُ لَا إكْرَاهَ بِهِ لِانْقِضَائِهِ (أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ أَوْ وَلَدِهِ مِنْ قَادِرٍ) عَلَى مَا هَدَّدَهُ بِهِ (بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ وَنَحْوِهِ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ (بِقَتْلٍ) مُتَعَلِّقٍ بِتَهْدِيدٍ (أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ) كَثِيرٍ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَوِي الْمُرُوآتِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا لِصَاحِبِهِ وَغَضَاضَةً، وَشُهْرَةً فِي حَقِّهِ فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ) أَخَذَهُ مِنْهُ ضَرَرًا (كَثِيرًا) فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ إكْرَاهًا (وَظَنَّ) الْمُكْرَهُ إيقَاعَهُ أَيْ: مَا هَدَّدَهُ بِهِ مِمَّا ذَكَرَ (فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ) أَيْ: الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ. لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا " «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.، وَالْإِغْلَاقُ: الْإِكْرَاهُ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ كَمَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ ; وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ أَشْبَهَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ مَعَ التَّهْدِيدِ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ قَادِرٍ تَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إيقَاعًا بِهِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ تَدَلَّى فِي حَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فَجَلَسَتْ عَلَى الْحَبْلِ فَقَالَتْ: لَتُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُ الْحَبْلَ. فَذَكَّرَهَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَالْإِسْلَامَ. فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ فَلَيْسَ هَذَا طَلَاقًا ".
(وَكَمُكْرَهٍ) ظُلْمًا فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute