ومما يعاب على الضيف أمور منها كثرة الأكل المفرط، إلا أن يكون بدويا، فإنها عادته، ومنها أن يتتبع طريق الشرهين كمن يتخذ معه خريطة مشمعة يقلب فيها الزبادي والأمراق والحلوى وغير ذلك، ومنها أن يأخذ معه ولده الصغير ويعلمه أن يبكي وقت الانصراف من الطعام ليعطى على اسم ولده الصغير.
ومنها قبح المؤاكلة، وقد عد فيها عيوب كثيرة، فمنها:
المتشاوف والعداد والجراف والرشاف والنفاض والقراض والبهات واللتات والعوام والقسام والمخلل والمزبد والمرنخ والمرشش والمفتش والمنشف والملبب والصباغ والنفاخ والحامي والمجنح والشطرنجي والمهندس والمتمني والفضولي.
فأما المتشاوف: فهو الذي يستحكم جوعه قبل فراغ الطعام، فلا تراه إلا متطلعا لناحية الباب يظن أن ما دخل هو الطعام.
وأما العداد، فهو الذي يستغرق في عد الزبادي ويعد على أصابعه، ويشير إليه، وينسى نفسه.
والجراف: هو الذي يجعل اللقم في جانب الزبدية ويجرف بها إلى الجانب الآخر.
والرشّاف: هو الذي يجعل اللقمة في فيه ويرتشفها، فيسمع لها حين البلع حس لا يخفى على جلسائه، وهو يلتذ بذلك.
والنفّاض: هو الذي يقرض اللقمة بأطراف أسنانه حتى يهذبها ويضعها في الطعام بعد ذلك.
والبهات: هو الذي يبهت في وجوه الآكلين حتى يبهتهم، ويأخذ اللحم من بين أيديهم.
واللتات: هو الذي يلت اللقمة بأطراف أصابعه قبل وضعها في الطعام.
والعوام: هو الذي يميل ذراعيه يمنة ويسرة لأخذ الزبادي.
والقسام: هو الذي يأكل نصف اللقمة ويعيد باقيها في الطعام من فيه.
والمخلل: هو الذي يخلل أسنانه بأظفاره، والمزبد: هو الذي يحمل معه الطعام.
والمرنخ: هو الذي يرنخ اللقمة في الأمراق، فلا يبلغ الأولى حتى تلين الثانية.
والمرشش: هو الذي يفسخ الدجاج بغير خبرة فيرش على مؤاكليه.
والمفتش: هو الذي يفتش على اللحم بأصابعه. والمنشف: هو الذي ينشف يديه من الدهن باللقم ثم يأكلها.
والملبب: هو الذي يملأ الطعام لبابا.
والصباغ: هو الذي ينقل الطعام من زبدية إلى زبدية ليبرده.
والنفاخ: هو الذي ينفخ في الطعام.
والحامي: هو الذي يجعل اللحم بين يديه فيحميه من مؤاكليه.
والمجنح: هو الذي يزاحم مؤاكليه بجناحيه حتى يفسح له في المجلس، فلا يشق عليه الأكل.
والشطرنجي: هو الذي يرفع زبدية ويضع زبدية أخرى مكانها.
والمهندس: هو الذي يقول لمن يضع الزبادي ضع هذه هنا وهذه ههنا، حتى يأتي قدامه ما يحب.
والمتمني: هو الذي يقول: ليتني لم يكن معي من يأكل.
والفضولي: هو الذي يقول لصاحب المنزل عند فراغ الطعام، إن كان قد بقي عندك في القدور شيء، فأطعم الناس، فإن فيهم من لم يأكل.
ومن الأضياف من لا يلذ له حديث إلا وقت غسل يديه، فيبقى الغلام واقفا والإبريق في يده والناس ينتظرونه.
ومنهم من يغسل يديه بالأشنان مرة واحدة، فإذا اجتمع الوسخ والزفر تسوك بهما. ومنهم من يدخل الدار فيبتدىء بالهندسة أولا، فيقول كان ينبغي أن يكون باب المجلس من ههنا، والإيوان كان ينبغي أن يكون من ههنا، وينتقل من الهندسة إلى ترتيب المجلس، فينقل الفاكهة من موضعها إلى موضع آخر، وإن كان قد استحكم جوعه استعفى من الطعام، وذهل عن بقية الأضياف وشدة جوعهم. ومنهم من يخرج فيطوف على أصدقاء صاحب الدعوة، فيتألم عن انقطاعهم ويستوحش من غيبتهم ويسلطهم على عرض صاحبهم.
ولقد حكي عن مغن غير مجيد أنه لم يبطل ولا ليلة واحدة، وما ذاك إلا أنه كان إذا سئل أين كنت قال: كنت عند الناس، وطذا قيل له: أين أكلت؟ قال: أكلت في بطني، وإذا قيل له: أين شربت؟ قال: شربت في فمي.
ومنهم من يفهم عن صاحب الدعوة أنه يقول لغلامه اشتر كذا، فيقول، والله العظيم أو الطلاق الثلاث يلزمه ما يشتري شيئا فأذوقه، فيعجز صاحب المنزل ويخجله إذا لم