وقال محمد بن حبيب الراوية: إذا قل الشكر خسر المن. وروي: إذا جحدت الصنيعة خسر الامتنان. وسئل بعض الحكماء: ما أضيع الأشياء؟ قال: مطر الجود في أرض سبخة لا يجف ثراها «١» ، ولا ينبت مرعاها، وسراج يوقد في الشمس «٢» ، وجارية حسناء تزف إلى أعمى «٣» ، وصنيعة تسدى إلى من لا يشكرها.
وقال عبد الأعلى بن حماد: دخلت على المتوكل، فقال: يا أبا يحيى: قد هممنا أن نصلك بخير فتدافعته الأمور، فقلت: يا أمير المؤمنين بلغني عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة. وأنشدته:
لأشكرن لك معروفا هممت به ... فإنّ همّك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشرّ بالقدر المحتوم مصروف
وقال أبو فراس بن حمدان:
وما نعمة مكفورة قد صنعتها ... إلى غير ذي شكر تمانعني أخرى
سآتي جميلا ما حييت فإنّني ... إذا لم أفد شكرا أفدت به أجرا
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من امتطى الشكر بلغ به المزيد. وقيل: من جعل الحمد خاتمة النعمة جعله الله فاتحة للمزيد. وقال ابن السماك: النعمة من الله تعالى على عبده مجهولة، فإذا فقدت عرفت. وقيل: من لم يشكر على النعمة فقد استدعى زوالها. وكان يقال: إذا كانت النعمة وسيمة، فاجعل الشكر لها تميمة.
وقال حكيم: لا تصطنعوا ثلاثة، اللئيم فإنه بمنزلة الأرض السبخة، والفاحش فإنه يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فحشه، والأحمق فإنه لا يعرف قدر ما أسديت إليه. وإذا اصطنعت الكريم فازرع المعروف واحصد الشكر. ودخل أبو نخيلة على السفاح لينشده، فقال: ما عسيت أن تقول بعد قولك لمسلمة:
أمسلمة يا فخر كلّ خليفة ... ويا فارس الدنيا ويا جبل الأرض
شكرتك إنّ الشكر دين على الفتى ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
وسمعه الرشيد فقال: هكذا يكون شعر الأشراف مدح صاحبه، ولم يضع نفسه.
وعن نصر بن سيار عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أنعم على رجل نعمة فلم يشكر له فدعا عليه استجيب له» . ثم قال نصر:
اللهم إني أنعمت على بني سام فلم يشكروا، اللهم اقتلهم، فقتلوا كلهم.
وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليشبع من الطعام، فيحمد الله تعالى، فيعطيه من الأجر ما يعطي الصائم القائم، إن الله شاكر يحب الشاكرين» .
وعن محمد بن علي: ما أنعم الله على عبد نعمة، فعلم أنها من الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبد ذنبا فعلم أن الله قد أطلع عليه إن شاء غفر له وإن شاء أخذه قبل أن يستغفره إلا غفر الله له قبل أن يستغفره.
وأولى رجل رجلا أعرابيا خيرا، فقال: لا أبلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك.
وأنشد بعضهم وأجاد:
سأشكر لا أنّي أجازيك منعما ... بشكري ولكن كي يزاد لك الشكر
وأذكر أياما لديّ اصطنعتها ... وآخر ما يبقى على الشاكر الذكر
وقال آخر:
أوليتني نعما أبوح بشكرها ... وكفيتني كلّ الأمور بأسرها
فلأشكرنّك ما حييت وإن أمت ... فلتشكرنّك أعظمي في قبرها
وقال آخر:
أيا ربّ قد أحسنت عودا وبدأة ... إليّ فلم ينهض بإحسانك الشكر
فمن كان ذا عذر لديك وحجة ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر