للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألف درهم على نفسه أنه يكفيه، فرؤي بعد مدة وقد احتاج إلى أن باع حلية مصحفه وأنفقها.

وقال هيثم بن خالد الطويل: دخلت على صالح مولى منارة في يوم شات وهو جالس في قبة مغشاة بالسمور، وجميع فروشها سمور، وبين يديه كانون فضة يبخر فيه بالعود، ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسأل الناس.

ولما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد ونزل في داره وقعد على فرشه، دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت: يا عامر: إن دهرا أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليه قد أبلغ في عظتك.

وقال مالك بن دينار: مررت بقصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:

ألا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يغدر بصاحبك الزمان

فنعم الدار تأوي كلّ ضيف ... إذا ما ضاق بالضيف المكان

ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب وبه عجوز فسألتها عما كنت رأيت وسمعت، فقالت: يا عبد الله إن الله يغيّر ولا يتغيّر والموت غالب كل مخلوق، قد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان.

وقال أبو العتاهية:

لئن كنت في الدنيا بصيرا فإنّما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر

وقال عبد الملك بن عمير: رأيت رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة، ثم رأيت رأس زياد بين يدي المختار، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك، قال سفيان، فقلت له: كم كان بين أول الرؤوس وآخرها؟

قال: اثنتا عشرة سنة.

إنّ للدّهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتنّ قد أمنت الشرورا

قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمنا مسرورا

وكان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره على الدجلة ينظر، فإذا هو بحشيش في وسط الماء وفي وسطه قصبة على رأسها رقعة، فدعا بها فإذا فيها مكتوب شعرا وهو للشافعي رضي الله تعالى عنه:

تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر

أحسنت ظنّك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخفّ سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر

قال: فما انتفع بنفسه.

وأعجب ما وجد في السير خبر القاهر أحد الخلفاء وقلعه من الملك وخروجه إلى الجامع في بطانة جبة بغير ظهارة، ومد يده يسأل الناس بعد أن كان ملكه لأقطار الأرض، فتبارك الله يعز من يشاء ويذل من يشاء.

وقيل: كان لمحمد المهلبي قبل اتصاله بالسلطان حال ضعيف، فبينما هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث إلا أنه من أهل الأدب إذ أنشده يقول:

ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا رحم المهيمن نفس حر ... تصدّق بالوفاة على أخيه

قال: فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سدّ به رمقه، وحفظ الأبيات وتفرقا، ثم ترقّى المهلبي إلى الوزارة، وأخنى الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه، فتوصل إلى إيصال رقعة إليه مكتوب فيها:

ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكّر ما قد نسيه

أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه

فلما قرأها نذكر، فأمر له بسبعمائة درهم ووقّع تحت رقعته: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ

«١» . ثم قلّده عملا يرتزق منه.

<<  <   >  >>