ألف سنة على ما يقال، ويعرف بالشجاع، والأسود، وهو أشر الحيات وأشرها حيات وأفاعي سجستان، ومن عجيب ما يحكى عنها أنها لدغت إنسانا في رجله فانصدعت جبهته.
وحكي أنها نهشت ناقة وفصيلها يرضع، فمات قبل أمه، وقيل: لما دخل شبيب بن شبة على المنصور قال له: يا شبيب أدخلت سجستان؟ فقال له: نعم. قال:
صف لي أفاعيها. قال: يا أمير المؤمنين، هي دقائق الأعناق، صغار الأذناب، مقلصة الرؤوس، رقش برش، كأنما كسين أعلام الحبرات، كبارهن حتوف، وصغارهن سيوف.
وقيل: إنها تتدفن في التراب أربعة أشهر في البرد «١»
، ثم تخرج، وقد أظلمت عيناها فتمر بشجر الرازيانج وهو الشمر الأخضر، فتحك عينيها به، فيرجع إليها بصرها، فسبحان من ألهمها ذلك.
وقال الزمخشري: إذا عميت الأفعى بعد ألف سنة ألهمها الله تعالى أن تأتي البساتين وتلقي نفسها على هذه الشجرة، وتحك عينيها بها فتبصر. وقيل: إذا قطع ذنبها عاد كما كان «٢»
وإذا قلع نابها عاد بعد ثلاثة أيام، وهي أعدى عدو للإنسان، وقال بعضهم: رأيت حية قد ابتلعت كبشا عظيم القرنين، فجعلت تضرب به الحجارة يمينا ويسارا حتى كسرت القرنين، وابتلعته وقرنيه والله تعالى أعلم، وقيل: إذا قطع ذنب الحية تعيش إن سلمت من الذر، وقيل: إن بالحبشة حيات لها أجنحة تطير بها، وقيل: إن جلدها ينسلخ عنها في كل سنة مرة وقيل: إن الجلد لا ينسلخ، وإنما الذي ينسلخ قشر فوق الجلد، وغلاف يخلق لها كل عام، وهي تبيض على عدد أضلاعها. أي ثلاثين بيضة، فيجتمع عليها النمل، فيفسدها بقدرة الله تعالى إلا نادرا. ومن عجيب أمرها أنها لا ترد الماء ولا ترده ولكنها إذا شمّت رائحة الخمر، فلا تكاد تصبر عنه مع أنه سبب هلاكها لأنها إذا شربت سكرت، فتعرضت للقتل، والذكر لا يقيم في الموضع، وإنما تقيم الأنثى لأجل فراخها حتى تكتسب قوة، فإذا قويت أخذتهم وانسابت، فأي حجر وجدته دخلت فيه، وأخرجت صاحبه منه، وعينها لا تدور وإذا قلعت عادت.
ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتقرب منها، وتحب اللبن حبا شديدا، وإذا دخلت بصدرها في حجر لا يستطيع أقوى الناس على إخراجها منه، ولو قطعت قطعا وليس لها قوائم ولا أظفار وإنما تقوى بظهرها لكثرة أضلاعها.
وحكى عمر بن يحيى العلوي قال: كنا في طريق مكة، فأصاب رجلا منا استسقاء، فاتفق العرب أن سرقوا منا، فطار جمال على أحدها ذلك الرجل قال: ثم بعد أيام جمعتنا المقادير، فوجدته قد برىء، فسألناه عن حاله، فقال: إن العرب لما أخذوني جعلوني في أواخر بيوتهم، فكنت في حالة أتمنى فيها الموت، وبينما أنا كذلك إذ اتوا يوما بأفاعي اصطادوها وقطعوا رؤوسها وأذنابها وشووها بعد ذلك، فقلت: في نفسي: هؤلاء اعتادوها، فلا تضرهم، فلعلي إن أكلت منها مت، فاسترحت، فاستطعمتهم، فأطعموني واحدة، فلما استقرت في بطني أخذني النوم، فنمت نوما ثقيلا، ثم استيقظت، وقد عرقت عرقا شديدا، واندفعت طبيعتي نحو مائة مرة، فلما أصبحت وجدت بطني قد ضمر، وقد انقطع الألم، فطلبت منهم مأكولا، فأكلت، وأقمت عندهم أياما، فلما نشطت، ووثقت من نفسي بالحركة أخذت في الطريق مع بعضهم وأتيت الكوفة.
فائدة: قيل إن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى، وإنما وجد في زمانه، وسببه أن كسرى كان ذات يوم جالسا في بعض متفرجاته إذا جاءته حية، فانسابت بين يديه، وتمرغت وصارت تتقلّب مثل الذي يشتكي، فأراد بعض الجند قتلها، فمنعهم الملك، ثم قال لهم: انظروا أمرها، فلما سمعت ذلك انسبات بين يديه، فأمرهم أن يتبعوها إلى المكان الذي تريده، قال: فجاءت إلى بئر وصارت تنظر فيه قال: فنظروا فإذا فيه حية عظيمة وعلى ظهرها عقرب أسود فنخسها بعضهم برمح، فقتلها، وتركوها ورجعوا، فأخبروا الملك بذلك، فلما كان الغد جاءت الحية للملك وفي فمها بزر فنثرته بين يدي الملك، وذهبت، فقال الملك: إنها أرادت مكافأتنا اجعلوه في الأرض لننظر ما يكون من أمره قال: ففعلوا ذلك، فطلع منه الريحان قال فلما انتهى أمره أتوا به إلى الملك قال وكان به زكام، فشمه فبرىء.
لطيفة: من غريب ما اتفق لعماد الدولة أنه لما ملك شيراز اجتمع عليه أصحابه وطلبوا منه مالا، ولم يكن