فضرب بكتفي، وقال: هذه بتلك، وعنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل وأنا ألعب مع صويحباتي ولا يعيب علي.
وسئل النخعي: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي، وكان نعيمان الصحابي من أولع الناس بالمزاح والضحك، قيل: إنه يدخل الجنة وهو يضحك، فمن مزحه إن مر يوما بمخرمة بن نوفل الزهري وهو ضرير، فقال له قدني حتى أبول، فأخذه بيده حتى أتى به إلى المسجد، فأجلسه في مؤخره، فصاح به الناس إنك في المسجد، فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان، قال لله عليّ نذر أن أضربه بعصاي هذه إن وجدته، فبلغ ذلك نعيمان، فجاء إليه وقال له: يا أبا المنور هل لك في نعيمان، قال:
نعم. قال: ها هو قائم يصلي وأخذه بيده وجاء به إلى عثمان بن عفان وهو يصلي، وقال: هذا نعيمان، فعلاه بعصاه، فصاح الناس: أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟
قالوا: نعيمان، فقال: والله لا تعرضت له بسوء بعدها.
وقال عطاء بن السائب: كان سعيد بن جبير يقص علينا حتى يبكينا، وربما لم يقم حتى يضحكنا. وكان رجل يسمى تاج الوعظ يعظ الناس ويقص عليهم حتى يبكيهم، ثم لم يقم حتى يضحكهم ويبسط آمالهم. فمن لطائفه أنه حكى يوما بعدما فرغ من مواعظه قال: سمعت الناس يتكلمون في التصحيف وكنت لا أعرفه، فوقع في قلبي أن أتعلمه، فدخلت في سوق الكتبية واشتريت كتابا في التصحيف، فأول ما تصحفته وجدت فيه سكباج «١» تصحيفه سك تاج، فرميت الكتاب من يدي وحلفت أني لا أشتغل به أبدا، فضحك الناس حتى غشي عليهم.
ودخل عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان، فوجده يتأوه، فقال يا أمير المؤمنين: لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب ويباسطك استرحت؟ فقال: لست بصاحب لهو، فقال: ما الذي تشكوه يا أمير المؤمنين؟
قال: هاج بي عرق النسا في ليلتي هذه، فبلغ مني ما ترى، فقال: إن بديحا مولاي أرقى الخلق منه، فأمر بإحضاره، فلما مثل بين يديه قال عبد الملك: يا بديح أرق رجلي، فقال يا مولاي أنا أرقى الناس لها، ثم وضع يده عليها، وجعل يقول ما لا يسمع، فقال عبد الملك:
قد وجدت راحة بهذه الرقية. اين فلانة ائتوني بها تكتبها لئلا يهيج بي الوجع بالليل، فقال له بديح: الطلاق يلزمه ما أكتبها إلا بتعجيل جائزتي، فأمر له بأربعة آلاف درهم، فقال يا أمير المؤمنين: الطلاق يلزمه ما أكتبها حتى تحمل جائزتي إلى بيتي، قال: تحمل، فحملت، فقال: يا أمير المؤمنين الطلاق يلزمه، ما رقيت رجلك إلا مباسطة بقول نصيب حيث قال:
ألا إنّ ليلي العامرية أصبحت ... على البعد منّي ذنب غيري تنقم
فقال: ويلك ما تقول؟ فقال: الطلاق يلزمه ما رقيتك إلا بها، فقال: اكتمها عليّ، فقال: كيف، وقد سارت بها الركبان إلى أخيك بمصر، فضحك حتى فحص برجليه، وأعجبه هذا البسط.
وروي أن ابن سيرين كان ينشد قول الشاعر:
أنبئت أنّ فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول «٢»
ثم يضحك حتى يسيل لعابه.
ومما جاء في الشطرنج واللعب به والنهي عنه والترخيص فيه:
أما النهي عنه، فقد قيل: إن عليا كرم الله وجهه مر بقوم يلعبون الشطرنج، فقال لهم: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ
«٣» ؟. وكان أبو القاسم الكسروي يقول: لا ترى شطرنجيا غنيا إلا بخيلا، ولا فقيرا إلا طفيليا، ولا تسمح نادرة باردة إلا على الشطرنج. واحتضر شطرنجي فصار يقول: شاه مات شاه مات مكان الشهادتين حتى مات.
وأما الترخيص فيه، فقد سئل الشعبي عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا بأس به إذا لم يكن هناك تقامر وتبادل، وقال بعضهم: كنا في السجن مع ابن سيرين، فكان يرانا ونحن نلعب بالشطرنج، فيقوم، فيأتي ويقول:
ارفع الفرس ارفع كذا إفعل كذا، ولا يعيب علينا. وعن سعيد بن المسيب قال: كنت ألعب الشطرنج مع صديق في بيته حين خفت الحجّاج. ومما قيل لعلي بن الجهم في الشطرنج، وقيل للمأمون:
أرض مربّعة حمراء من أدم ... ما بين حرّين معروفين بالكرم