وقال آخر:
إلى الله أشكو أن كلّ قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها «١»
وقال رجل يرثي صديقا له توفي وكان من الكرماء:
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
ولبعض الكتاب في ابن مقلة:
استشعر الكتّاب فقدك سالفا ... وقضت بصحّة ذلك الأيام
فلذاك سوّدت الدواة كآبة ... أسفا عليك وشقت الأقلام
وقال الحسن بن مطير الأسدي يرثي معن بن زائدة رحمه الله تعالى:
هلمّا إلى معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا
فيا قبر معن كنت أوّل حفرة ... من الأرض خطّت للسماحة مضجعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا
بلى قد وسعت الجود والجود ميّت ... ولو كان حيا ضقت حتى تصدّعا
فتى عاش في معروفه بعد موته ... أناس لهم بالبرّ قد كان أوسعا
ولمّا مضى معن مضى الجود كلّه ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا «٢»
وقال آخر:
عجبت لصبري بعده وهو ميّت ... وقد كنت أبكيه دما وهو غائب
وقال آخر:
فديتك لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر
وقالت ريطة بنت عاصم:
وقفت فأبكتني ديار عشيرتي ... على رزئهن الباكيات الحواسر «٣»
غدوا كسيوف الهند ورّاد حومة ... من الموت أعيا وردهنّ المصادر «٤»
فوارس حاموا عن حريمي وحافظوا ... بدار المنايا والقنا متشاجر
ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا ... لهدّت ولكن محمل الرزء عامر
ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسين وحمل رأسه إلى المنصور، أنفذها المنصور مع الربيع إلى عميه إدريس ومحمد وكانا في حبسه، وكان أبوه قائما يصلي فقال له محمد: أوجز، فأوجز وسلم، فلما أتاه، وضع الرأس في حجره فقال: أهلا وسهلا يا أبا القاسم تالله لقد كنت من الناس الذين قال الله تعالى في حقهم: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ٢٠
«٥» . ثم قبله بين عينيه وأنشأ يقول:
فتى كان يحميه من العار سيفه ... ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها
ثم قال للربيع: قل لصاحبك المنصور قد مضى من بؤسنا أيام ومن نعمتك أيام، والملتقى غدا بين يدي الله تعالى، فكان ذلك فألا «٦» على المنصور ولم ير بعد ذلك اليوم راحة. وقيل لحسان: ما بالك لم ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لم أر شيئا إلا رأيته يقصر عنه «٧» .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.