وقال طرفة:
ولا ترفدنّ النصح «١» من ليس أهله «٢» وكن حين تستغني برأيك غانيا
وإنّ امرأ يوما تولّى برأيه ... فدعه يصيب الرشد أو يك غاويا
وفي مثله قال بعضهم:
من الناس من أن يستشرك فتجتهد ... له الرأي يستغششك ما لم تتابعه
فلا تمنحن الرأي من ليس أهله ... فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثاني عشر في الوصايا الحسنة والمواعظ المستحسنة وما أشبه ذلك
قال الله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
«٣» وقال الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠
«٤» . وقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
«٥» . وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
«٦» . وقال تعالى:
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ
«٧» . والآيات في ذلك كثيرة مشهورة وفوائدها جمة منشورة.
وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .
وقال شيخنا محيى الدين النووي رحمة الله تعالى عليه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
«٨» . إن هذه الآية الكريمة مما يغتر بها أكثر الجاهلين ويحملونها على غير وجهها بل الصواب في معناها أنكم إذا فعلتم ما أمرتم به لا يضركم ضلالة من ضل.
ومن جملة ما أمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية مرتبة في المعنى على قوله تعالى: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ
«٩» .
وقال محمد بن تمام: الموعظة جند من جنود الله تعالى، ومثلها مثل الطين يضرب به على الحائط إن استمسك نفع وإن وقع أثر.
ومن كلام عليّ رضي الله تعالى عنه: لا تكونن ممن لا تنفعه الموعظة إلا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب.
وأنشد الجاحظ:
وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجرها الراعي فتنزجر
وكتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك «١٠» ، واستح من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك والسلام. وقيل: من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ، وقال لقمان: الموعظة تشق على السفيه كما يشق صعود الوعر على الشيخ الكبير. قيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: إنك إن أتيتني بعبد آبق «١١» كتبتك عندي حميدا، ومن كتبته عندي حميدا لم أعذبه بعدها أبدا.
وقال الرشيد لمنصور بن عمار: عظني وأوجز، فقال:
يا أمير المؤمنين: هل أحد أحب إليك من نفسك، قال: