فما كان من المنزل على هذا الوجه تعاضدت فيه الوصية والكتاب، وقبله هو، - صلى الله عليه وسلم -، جبلة وحالا وعملا، ولم تكن له عنه وقفة، لتظافر الأمرين، وتوافق الخطابين: خطاب الوصية، وخطاب الكتاب. وهذا الوجه من المنزل خاص بالقرآن العظيم، الذي هو خاص به، - صلى الله عليه وسلم -، لم يوته أحد قبله. {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}.
ومن القرآن ما أنزل على حكم العدل والحق المتقدم فضله في سنن الأولين، وكتب المتقدمين، وإمضاء عدل الله، سبحانه، في المؤاخدين، والاكتفاء بوصل الواصل، وإبعاد المستغني، والإقبال على القاصد، والانتقام من الشارد، وذلك خلاف ما جبل الله عليه نبيه، وما وصى به حبيبه، فكان، - صلى الله عليه وسلم -، إذا أنزل عليه أي من الكتاب على مقتضى الحق وإمضاء العدل، ترقب تخفيفه، وترجى تيسيره، حتى يعلن عليه بالإكراه في أخذه، والتزام حكمه، فحينئذ يقوم لله به، ويظهرعذره في إمضائه، فيكون له في خطاب التشديد عليه في أخذه أعظم مدح، وأبلغ ثناء من الله، ضد ما يتوهمه الجاهلون.