الله سواء محياهم ومماتهم، وأكلهم وصلاتهم، من غفل عند طعامه قلبه، لم يستطع أن يحضر في صلاته قلبه، ومن حضر عند طعامه قلبه، لم يغب في صلاته قلبه، وفي ذكر الرزق شائعا إشعار بأنها أنواع من أرزاق، من حيث إنه لو اختص يخص به ماهو أخص من هذا الاسم - انتهى.
{قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}
قال الْحَرَالِّي: كلمة {أَنَّى} تشعر باستغرابه وجود ذلك الرزق من وجوه مختلفة: من جهة الزمن؛ أنه ليس زمانه، ومن جهة المكان؛ أنه ليس مكانه، ومن جهة الكيف ووصوله إليها؛ أنه ليس حاله.
وفي ذكر الضمير في قوله:{قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إيذاد بنظرها إلى مجموع حقيقة ذلك الرزق، لا إلى أعيانه، فهو إنباء عن رؤية قلب، لا عن نظر عين، لأن {هُوَ} كلمة إضمار جامعة لكل ما تفصلت صورة مما اتحد مضمره، ولما لم يكن [من معهود ما أظهرته حكمته، سبحانه، مما يجريه على معالجات أيدي الخلق، قالت:{مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ذي الجلال والإكرام، لأن ما خرج -] من معهود معالجة الحكمة فهو من عنده، وما كان مستغربا فيما هو من عنده فهو من لدنه، فهي ثلاث رتب: رتبة لدنيه، ورتبة عندية، ورتبة