{وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فأجنت لآدم ما فيها من خبء استخراج أمر معصيته، ليكون ذلك توطئة لكمال باطنه باطلاعه على سر من أسرار ربه في علم التقدير إيمانا، ولكمال ظاهره يكون ذلك توطئة لفضيلة توبته إسلاما، ليس لبنيه التوبة أثر المعصية مخالفة لإصرار إبليس بعد إبائه، وشهادة عليه بجهله في ادعائه، وجعل له ذلك فيما هو متنزل عن رتبة علمه، فلم تلحقه فيه فتنة حفيظة على خلافته، وأنزلت معصيته إلى محل مطعمه الذي هو خصوص حال المرء من جهة أجوفية خلقه، ليبدو نقص الأجوف، ويبدي ذلك إكبار الصمد الذي يطعم ولا يطعم، فكان ذلك من فعله تسبيحا بحمد ربه، لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرا له - انتهى.
{وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا}
قال الْحَرَالِّي: وأطلق له الرغد إطلاقا، وجعل النهي عطفا، ولم يجعله استثناء ليكون آدم أعذر في النسيان، لأن الاستثناء أهم في الخطاب من التخصيص، وقال:{وَلَا تَقْرَبَا} ولم يقل: ولا تأكلا؛ نهيا عن حماها، ليكون ذلك أشد في النهي - انتهى.
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ}
قال الْحَرَالِّي: من الزلل، وهو تزلق الشيء الذي لا يستمسك على الشيء الذي لا مستمسك فيه، كتزلل الزلال عن الورق وهو ما يجتمع من الطل فيصير ما على الأوراق والأزهار، وأزالهما من الزوال، وهو التنحية عن المكان أو المكانة، وهو المصير بناحية منه {الشَّيْطَانُ} هو مما أخذ من أصلين: من الشطن وهو البعد، الذي منه سمي الحبل الطويل، ومن الشيط الذي هو الإسراع في الاحتراق والسمن، فهو من المعنيين مشتق، كلفظ الإنسان وملائكة، {عَنْهَا}