منها وفيها وموضع ظهور عامة الصور الرابية اللازمة الجسمية، ومحل تنشؤ صورة النفس بالأعمال والأخلاق، وكان الإفساد نقض الصور، كما قال تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} كان فعلهم فيها من نحو فعلهم في وضع الضد السيء موضع ضده الأكمل، والتقصير بما شأنه التكملة، فكان إفسادا لذلك - انتهى.
{أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} والخسارة: النقص فيما شأنه النماء. قاله الْحَرَالِّي.
قال الْحَرَالِّي: ولما كان الخاسر من كان عنده رأس مال مهيأ للنماء والزيادة فنقصه عن سوء تدبير، وكان أمرهم في الأحوال الثلاث المنسوقة حال من نقص ما شأنه النماء، كانوا بذلك خاسرين، فلذلك انختمت الآية بهذا، وأشير إليهم بأداة البعد لوضعهم في أبعد المواضع عن محل الخير - انتهى.
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}
وقال الْحَرَالِّي: لما تقدمت الدعوة للناس فأجاب مبادر وتوقف متوقف، فضربت الأمثال فاستدرك وآمن وتمادى متماد على كفره، صرف وجه الخطاب عن المواجهة من الحق تعالى، وأجرى على لسان لؤم وإنكار، فجاء هذا الاستفهام لإيضاح انقطاع العذر في التمادي على الكفر، وجاء بلفظ "كيف" لقصور نظرهم على الكيفيات المحسوسة، فإن "كيف" كلمة مدلولها استفهام عن عموم الأحوال التي شأنها أن تدرك بالحواس، فكأنه يقال لهم بمدرك: أي حاسة تماديتم على الكفر بالله؟ على ما تقتضيه صيغة الفعل الدائم في تكفرون - انتهى.