للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إعلام بأن الذين آمنوا ليس في رتبتهم الشعور به أصلا، إلا أن يرقيهم الله بنماء سن القلوب، وصفاء الأنفس، إلى ما فوق ذلك من سن المؤمنين إلى سن المحسنين، الذين يشهدون من الغيب مالا يشهده من في رتبة الذين آمنوا - انتهى.

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}

قال الْحَرَالِّي: فالصبر الأول أي في: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} عن الكسل وعلى العمل، والصبر الثاني أي في: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} على مصائب الدنيا، فلذلك انتظم بهذه الآية؛ آية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} عطفا وتجاوزا لأمور يؤخذ بها من لم يجاهد في سبيل الله ضعفا عن صبر النفس عن كره القتال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} فمن لم يحمل الصبر الأول على الجهاد أخذ بأمور هي بلايا في باطنه، تجاوزها الخطاب فانعطف عليها {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} وهو حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها {وَالْجُوعِ} وهو غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس، حتى تترامى لأجله فيما لا تتأمل عاقبته، فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الغرث، فلذلك في الجوع بلاء ما، والغرث عادة جارية.

وقال أيضا: الجوع: فراغ الجسم عما به قوامه، كفراغ النفس عن الأمنة التي لها قوام ما، فأفقدها القوامين: في ذات نفسها بالخوف، وفي بدنها بالجوع، لما لم تصبر على كره الجهاد، وقد كان ذلك لأهل الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف

<<  <   >  >>