وجه إنزال هذا الحرف حمل الخلق على صدق التذلل لله، إثر التطهر من زجرهم، ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب، وهو حرف العبادة المتلقاة بالإيمان، المثابر عليها بسابق الخوف، المبادر لها تشوقا بصدق المحبة، فالعابد ما ساقه الخوف إليها، والمعارف من قاده الحب لها، وهو بناء ذو عمود وأركان، وله حظيرة تحوطه، فأما عموده فإفراد التذلل لله توحيداً، وطليعة آيه ما كان نحو قوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}. طهرهم حرف الزجر من رجز عبادة إله آخر، فأثبت لهم حرف الأمر التفريد حين لايشركون معه في التذلل شيئا، أي شيء كان آخر، وهو أول ما أقام الله من بناء الدين، ولم يفرض غيره نحو العشر من السنين، في إنزال ما أنزل بمكة من القرآن وسن مع فرضه.
الركن الأول وهو الصلاة: وبدئت بالوضوء عملا من حذو [تطهر القلب والنفس بحرف النهي، وأعقب بالصلاة عملا من حذو] حضور القلب بالتوحيد بين يدي الرب، فالوضوء وجه عمل حرف الزجر، والصلاة وجه عمل حرف الأمر، وسن على تأسيس بدار الحب، لتبدو قوة الإيمان في مشهود ملازمة خدمة الأبدان، فكان أقواهم إيمانا أكثرهم وأطولهم صلاة وقنوتا، من أحب ملكا خدمه ولازمه، ولا تخدم الملوك بالكسل والتهاون، وإنما تخدم بالجهد والتذلل، فكانت الصلاة علم الإيمان، تكثر