في إبانة القرآن عن ألسنة ذوات الخلق، وعن تنزلات أسماء الحق
اعلم أن الله، سبحانه، امتن على عباده بالقرآن نطقا عن ذواتهم، وعن ذات كل خلق، وإقامة كل أمر، بما لا يصل بيانهم إلى النطق به عن ذواتهم، فسكتهم وأبان عنهم، كما سكتهم بالتوحيد، وتوكل لهم، فمن اكتفى ببيان الله عن بيانه، وبوكالة الله عن تكلفه، استوى حاله في الدنيا والآخرة، وذلك هو إقامته، كما أنه إذا رحم قول، واكتفى منهم بالقول، فيما لم يستطيعوا، وإذا امتحن كلف أمراً ونهيا، لتبدو في الإبانة إقامته، وفي التقويل رحمته، وفي الامتحان حلمه ونقمته، وأعظم أمره إقامته وإبانته، ولكل بيان يخصه.
وكذلك لكل اسم من أسمائه بيان تخص إقامته طورا من أطوار خلقه تفصيلا وإجمالا، فمن تفطن إلى رتب الخطاب في القرآن بحسب أسماء الله وأطوار الخلق، وتنزلات الأمر، ورتب تنامى القلوب في الرجوع إلى الله، وأطوار الخلق، والأعمال، وما يقابل ذلك من دركات البعد والبغض والطرد واللعن - فتح الله له بابا إلى الفهم يجد به يقين تجربة إبانته، ووضوح صدق إنبائه عن كنه الذوات ورتب التنزلات، حتى إن خطاب الإقبال ينتظم بخطاب الإعراض، والغيبة بالحضور، والاختصاص بالتعميم، فنذكر في ذلك ترتيبا في الباب الرابع، بحول الله.