بمشاهدة متكرره في هذه الأمة، من نظائر جميع أولئك الأعداد وتلك الأحول والآثار، حتى يسمع السامع جميع القرآن من أوله إلى خاتمته منطبقا على هذه الأمة وأيمتها، هداتها وضلالها، فحينئذ ينفتح له باب الفهم، ويضيء له نور العلم، وتتجه له حال الخشية، ويرى في أصناف هذه الأمة ما سمع من أحوال القرون الماضية، وإنه كما قيل في المثل السائر:"إياك أعني، واسمعي ياجارة". ثم إذا شهد انطباق القرآن على كلية الأمة، فكان بذلك عالما، ينفتح له باب ترق، فيترقى سمعه إلى أن يجد جميع كلية القرآن المنطبق على كلية الأمة منطبقا على ذاته، في أحوال نفسه وتقلباته، وتصرفات أفعاله وازدحام خواطره، حتى يسمع القرآن منطبقا عليه، فينتفع بسماع جميعه، ويعتبر بأي آية سمعها منه، فيطلب موقعها في نفسه، فيجدها بوجه ما، رغبة كانت أو رهبة، تقريبا كانت أو تبعيدا، إلى أرفع الغايات، أو إلى أنزل الدركات، فيكون بذلك عارفا.
هذا مقصود التنبيه في هذا الفصل جملة، ولنتخذ لذلك مثالا يرشد لتفهم ذلك الانطباق على كلية الأمة علما، وعلى خصوص ذات القارىء السامع عرفانا.
اعلم أن أصول الأديان المزدوجة التي لم تترق إلى ثبات حقائق المومنين، فمن فوقهم من المحسنين والموقنين، التي جملتها تحت حياطة الملك والجزاء والمداينة، الذين تروعهم رائعة الموت أولا، ثم رائعة القيامة ثانيا، إلى ما يشتمل عليه يوم الدين من أهوال المواقف الخمسين، التي كل موقف منها ألف من السنين. {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}.
فعدد هذه الأديان سبعة، ما من دين منها إلا ويوجد في صنف من أصناف