بالإنسان، وهو حيث أنس بنفسه وغيره، ونسي عهد ربه، فيرد لذلك نبؤه بالذم في القرآن، {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} ثم المحل الذي تداركه فيه تنبه لسماع الزجر من ربه، وهو له بمنزلة سن الميز لابن سبع، ولايقع إلا عن اجتماع وثراء، وذلك هو السن المسمون فيه بالناس، لنوسهم أي ترددهم بين سماع الزجر من ربهم، وغلبة أهوائهم عليهم، فيرد لذلك نبؤهم بذم أكثرهم في القرآن؛ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} و {لَا يَشْكُرُونَ}.
ثم المحل الذي يتحقق لهم قبول وسماع وإيمان لغائب الأمر والخلق، ولكنهم ينزلون عنه كثيرا، عند كل عارضة نبل وخادعة رفعة، وهو لهم بمنزلة سن المحتلم الذي ذاق طعم بدو النطفة من باطنه الناجم العقل للنظر في حقائق المحسوسات، وذلك هو السن الذي يسمون فيه {الَّذِينَ آمَنُوا} وهو أول سن التلقي، فلذلك جميع آداب القرآن وتعليمه إنما مورده أهل هذا السن، كان ابن مسعود، رضي الله عنه، يقول: إذا سمعت الله عز وجل يقول: "يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فإنه خبر يأمر به، أو شر ينهى عنه".
وكما أن ما يخص البالغ العاقل من الخطاب لايدخل فيه الصبي المميز، وما يخص المميز لايدخل فيه البالغ، كذلك خطاب الذين آمنوا لم يصل إليه الناس بعد، وخطاب الناس قد جاوزه الذين آمنوا، لأنهم قد انزجروا، بما قبلت قلوبهم، عما يزجر عنه الناس، وقد ائتمروا بما يؤمر به الناس.
وهذه الأسنان الحالية عند أولي البصائر، وخاص خطابها، أشد ظهورا من أسنان الأبدان، عند أصحاب الأبصار، وعدم التبصرة بهده المراتب في الأحوال والبيان، هي أقفال القلوب المانعة من تدبر القرآن.