وقال الْحَرَالِّي: لما دعاهم إلى الوفاء بالعهد تنبيها لهمة من له فضل باطن يرجع إلى فضائل النفس، فأجاب من وفق، وتمادى على حاله من خذل، ثني الخطاب لهم بالتنبيه على النعمة الظاهرة، ليتنبه لذلك من يخاف تغيير النعمة الظاهرة، حين لم يخف السقوط عن رتبة الفضيلة في الخطاب، فذكرهم بالنعمة والتفضيل الذي فضلهم به على العالمين، وهم من ظهرت أعلام وجودهم في زمانهم، وكذلك كل تفضيل يقع في القرآن والسنة، إنما العالم من شمله الوجود، لا ما أحاط به العلم بعد، لأن ذلك لم يرفع في الشهود علم وجوده؛ وفيه إشعار بأنهم كما فضلوهم على عالمى زمانهم، فليس ذلك بمقصور عليهم، بل كذلك يفضل الله العرب في زمان نبوتها على بني إسرائيل، وعلى جميع الموجودين في زمانهم.
وحيث انتهى الخطاب إلى تذكر ظاهر النعمة بعد التذكير بباطن الفضيلة، لم يبق وراء ذلك إلا التهديد بوعيد الآخرة؛ عطفا على تهديد تقتضيه الأفهام بتغيير ما بقي عليهم من النعمة في الدنيا، فكان مفهوم الخطاب: فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصاب المؤاخذين في الدنيا - انتهى.
قال الْحَرَالِّي: والنفس لكل امرئ لزمته نفاسة على غيره، فهؤلاء الذين، لا يغني بعضهم عن بعض، بخلاف من آثر غيره وذهبت نفاسة نفسه، فإنه يغني عمن دونه بالشفاعة والإحسان في الدنيا والآخرة؛ وفيه إعلام بأن ضعة النفس مبدأ التوفيق،