شاهدها في العقل وعظيم بركتها في التجربة، لأن من ألقى بيده لم يؤاخذ في كل مرتبة من رتب الدنيا والآخرة، فلا عذر لمن رغب عن ذلك، لظهوره في شاهدي العقل والحس، اللذين هما أظهر حجج الله على خلقه. {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} - انتهى.
{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
قال الْحَرَالِّي: لأنهما متناوبان في الأديان، تناوب المتقابلات في الأجسام.
{قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}
قال الْحَرَالِّي: ففيه كمال لسنن محمد، - صلى الله عليه وسلم -، في ملته بملة إبراهيم، عليه السلام، الذي هو الأول لمناسبة ما بين الأول والآخر، وقد ذكر أن الله ما أظهره نور العقل من الهدي في ظلم ما التزمه الناس من عوائد أمر الدنيا، فكان أتم ما أبداه نور العقل ملة إبراهيم.
{حَنِيفًا}
وقال الْحَرَالِّي: الحنيف: المائل عن متغير ما عليه الناس عادة، إلى ما تقتضيه الفطرة، حنان قلب إلى صدق حسه الباطن.
{وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
قال الْحَرَالِّي: فيه إنباء بتبرئة كيانه من أمر الشرك في ثبت الأمور والأفعال والأحوال، وفي إفهامه أنه من أمر محمد، - صلى الله عليه وسلم -، في الكمال الخاتم، كما أن محمدا، - صلى الله عليه وسلم -، منه في الابتداء الفاتح، قال، تعالى، لمحمد، - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} إلى قوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} فهذه أولية رتبة الكمال التي هي خاصة به، ومن سواه فهو منه فيها، لأن نفي الشيء يفهم البراءة واللحاق بالمتأصل في مقابله، فمن لم يكن مثلا من الكافرين، فهو من المؤمنين،