علمه، سبحانه وتعالى، بالغيب أن ذلك على الحقيقة، وبصره لعيون أهل الكشف، الذين يرون العواقب في الأوائل، والغيب في الشهادة، وفي ذكره بصيغة الحصر نفي لتأويل المتأول بكونه سببا، وصرف له إلى وجه التحقيق الذي يناله الكشف، ويقصر عنه الحس، فكانوا في ذلك كالحذر الذي يجعل يده في الماء الحار، ولا يحس به، فيشعر ذلك بموت حواس هؤلاء عن حال ما تناولوه.
ولما قدم الوعيد في الثمن لكونه الحامل على الكتم، أتبعه وعيد نفس الكتم فقال:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} أي الملك الأعظم الذي من كلمه أقبل كل شيء عليه، كلاما يدل على مرضى لكونهم لم يكلموا الناس بما كتب عليهم، وقال:{يَوْمَ الْقِيَامَةِ} تأكيدا لما أشارت إليه "ما" من أن المراد بالذي قبله الحال، {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي يطهرهم من دنس الذنوب، أو يثني عليهم، أو ينمي أعمالهم بما يحصل لهم من الميثاق في يوم التلاق، كما يزكي بذلك من يشاء من عباده، لأنهم كتموا عن العباد ما يزكيهم، وفي هذا تعظيم لذنب كتموا العلم {وَلَهُمْ} مع هذا العذاب {عَذَابٌ أَلِيمٌ} لما أوقعوا فيه الناس من التعب بكتمهم عنهم ما يقيمهم على المحجة السهلة.