قال الْحَرَالِّي: فكان هذا التحذير الخاتم ابتدائيا، والتحذير السابق انتهائيا، فكان هذا رأفة سابقة، وكان الأول الذي ترتب على الفعل تحذيراً لاحقا متصلا بالمصير إلى الله، وهذا الخاتم مبتدئا بالرأفة من الله.
والرأفة - يقول أهل المعاني - هي أرق الرحمة، والذي يفصح عن المعنى - والله سبحانه وتعالى أعلم - أنها عطف العاطف على من يجد عنده منه وصلة، فهي رحمة ذي الصلة بالراحم، فمن تحقق أن الأمر لله، سبحانه وتعالى، وجد رفقه وفضله ورحمته عليه، لما بريء من دعوى شيء من نسبة الخير إلى نفسه، فأحبه لذلك.
"قيل لأعرابي: إنك تموت وتبعث وترجع إلى الله، فقال: أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه! فلذلك إذا تحقق العبد ذلك من ربه أحبه بما وحده، وبما وحده في العاجلة، فحماه أن يجد عمل نفسه في الآجلة - انتهى.
وقال الْحَرَالِّي: لما كان أعظم ما يترامى إليه مقامات السالكين إلى الله، سبحانه وتعالى، القاصدين إليه من مبدأ حال الذكر، الذي هو منتهي المقامات العشر المترتبة في قوله، سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ} محبة الله سبحانه