بالرجال في الكمال، حتى كانت ممن كمل من النساء، لما لا يصل إليه كثير من رجال عالمها، فكان في إشعاره أن الموضوع كان ظاهره ذكرا وحقيقته انثى.
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}
قال الْحَرَالِّي: وفي إشعار هذا القول تفصل مما تتخوفه أن لا يكون ما وضعته كفافا لنذرها، لما شهدت من ظاهر أنوثة ما وضعت، فجعلها الله، سبحانه وتعالى، لها أكمل مما اشتملت عليه عزيمتها من رتبة الذكورة التي كانت تعهدها، فكانت مريم، عليها السلام، أتم من معهود نذرها مزيد فضل من ربها عليها، بعد وفاء حقيقة مقصودها في نذرها - انتهى.
{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}
قال الْحَرَالِّي: فيه إشعار بأن من جاء بشيء أو قربه فحقه أن يجعل له اسما، ورد أن السقط إذا لم يسم يطالب من حقه أن يسميه فيقول يارب، أضاعوني، فكان من تمام أن وضعتها أن تسميها، فيكون إبداؤها [لها -] وضع عين وإظهار اسم، لما في وجود الاسم من كمال الوجود في السمع، كما هو في العين، ليقع التقرب والنذر بما هو كامل الوجود عينا واسما.
ولما كانت محررة لله، سبحانه وتعالى، كان حقا أن يجري الله، سبحانه وتعالى، إعاذتها قولا، كما هو جاعلها معاذة كونا، من حيث هي له وما كان في حمى الملك لا يتطرق إليه طريدة، فقالت:{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ}