إلا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله تعالى. فقلت: ما أنت عني راضٍ؟ قال: بلى والله، أنا عنك راضٍ وعن إخوتك، وقد أجزت لك ولإخوتك ولابن أختك إبراهيم.
وقال: أوصاني أبي عند موته: لا تضيعوا هذا العلم الذي تعبنا عليه -يعني: الحديث-. فقلت: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء. قلت: توصيني بوصية. قال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته. فجاء جماعة يعودونه، فسلموا عليه، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث؟ اذكروا الله تعالى، قولوا: لا إله إلا الله. فقالوها، ثم قاموا، فجعل يذكر الله، ويحرك شفتيه بذكره، ويشير بعينيه، فدخل رجل فسلم عليه، وقال له: ما تعرفني يا سيدي؟ فقال: بلي. فقمت لأُناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة ست مئة.
وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد، واجتمع الغد خلق كثير من الأئمة والأمراء، ما لا يحصيهم إلا الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ودُفن يوم الثلاثاء بالقرافة.
[مما قيل في رثائه]
رثي الإمامَ عبد الغني غيرُ واحد، منهم الإِمام أبو عبد الله محمد بن سعد المقدسي الأديب بقصيدة طويلة، أولها:
هذا الذي كنت يوم البين أحتسب ... فليقض دمعي عنك بعض ما يجب
يا سائرين إلى مصر بربِّكم ... رفقًا علَّي، فإن الأجر مكتسب