للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهمذان وغيرها من تلك النواحي، وإيثارهم التوبة، وإظهارهم الرهبة، وسقوط دواعيهم، اقتداء بواليهم، إذ شملهم العدل والإنصاف، وجنّبهم الظلم والاعتساف، لتستبدل بحاضر حلاوة [١٠٢ و] العدل والإحسان اللذين أتى فيهما آي القرآن، وتضمنتهما شرائع الإيمان، من الثواب العظيم، والنعيم المقيم.

وبعد، فما عذر من ساعدته الأيام، وساعفته الأحكام، حتى لانت له أكنافها، ودرّت عليه أخلافها [١] ، وهو يعلم ألا يرضع إلا ليفطم، ولا يوصل إلا ليصرم، أن يدع أيام ملكه المهتبلة، وفرص عزّه المنتهزة، مهملة غير معقولة، ومرسلة غير مشكولة بالإحسان والبرّ، وإعقالا لا رسوم لها من المكارم، وبهما لا أوضاح عليها من المحاسن والمحامد، ولو جاز أن استبضع التمر إلى هجر [٢] ، وأعرض الحكمة على بقراط [٣] ، لأثبتّ قسطا من أحكام العرب في ذلك، لكن متى فتحنا هذا الباب، خرجنا إلى مجال رحب.

والجملة، أن الملوك الراشدين، والوزراء الصالحين، حين أعجزهم الخلود في الدنيا، جعلوا باقي الذكر الجميل بعدهم كالخلود، فقالوا:

[الطويل]

وما المال والأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد


[١] الأخلاف: جمع الخلف، وهو حلمة الضرع، وضرع الناقة.
[٢] يشير إلى المثل: (كمستبضع التمر إلى هجر) ، المثل في مجمع اللأمثال ٢/١٥٣، المستقصى ٢/٢٣٣، أمثال أبي عبيد ص ٢٩٢، الكتاب ٣/٢٤٤ بلفظ: كجالب التمر إلى هجر) .
[٣] بقراط: أبقراط، طبيب يوناني يعرف بأبي الطب، كان كثير الأسفار فكسب خبرة في علمه، فصل الطب عن الخرافات والغيبيات، وأقامه على أساس علمي، فكان له أبلغ الأثر في تقدمه، عرفه العرب باسم (بقراط) ، ونقلوا كتبه إلى العربية وأضافوا إليها شروحا وتفاسير، وأشهر هؤلاء حنين بن إسحاق، وعيسى بن يحيى، وثابت قرة، وعبد الرحمن بن علي، توفي أبو قراط سنة ٢٧٠ ق. م. (الموسوعة العربية الميسرة ١/٧)

<<  <   >  >>