لَمْ أَحِضْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَنِي إلَى الْآنَ أَصْلًا أَوْ لَمْ أَحِضْ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ أَدْخُلْ فِي الثَّالِثَةِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَمْرَيْنِ تَارَةً تُظْهِرُ احْتِبَاسَ دَمِهَا وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهَا فِي حَيَاةِ مُطَلِّقِهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ وَتَرِثُهُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَامِ وَالْعَامَيْنِ وَتَارَةً لَمْ تَكُنْ تُظْهِرْهُ فِي حَيَاةِ مُطَلِّقِهَا فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا لِدَعْوَاهَا أَمْرًا نَادِرًا فَالتُّهْمَةُ حِينَئِذٍ قَوِيَّةٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرْضِعَةٍ وَلَا مَرِيضَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ مُرْضِعَةً فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَتَرِثُهُ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَالرَّضَاعَ يَمْنَعَانِ الْحَيْضَ غَالِبًا فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَقَالَتْ لَمْ أَحِضْ أَصْلًا أَوْ لَمْ أَحِضْ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ أَدْخُلْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينٍ وَتَرِثُهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَمَفْهُومُ مَاتَ أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ طُولَ عِدَّتِهَا وَهُوَ حَيٌّ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا صُدِّقَتْ لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ رَجْعَتِهَا مُطْلَقًا لَكِنْ إنْ صَدَّقَهَا فَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لِلرَّجْعِيَّةِ وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا.
(ص) وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كَمَا قِيلَ (ص) وَأَصَابَتْ مَنْ مَنَعَتْ لَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ رَاجَعَهَا وَأَرَادَ أَنْ يُجَامِعَهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُشْدِهَا وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ عَاصِيَةً لِزَوْجِهَا بَلْ تُؤْجَرُ عَلَى الْمَنْعِ وَكَمَا يُنْدَبُ لِلْمُطَلِّقِ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَذَلِكَ يُنْدَبُ لَهُ إعْلَامُهَا أَيْضًا وَيُؤْخَذُ كَرَاهَةُ عَدَمِ الْإِشْهَادِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَصَابَتْ (ص) وَشَهَادَةُ السَّيِّدِ كَالْعَدَمِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ شَهِدَ سَيِّدُهَا أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلزَّوْجِ جَبْرُهَا عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ أَبَى سَيِّدُهَا أَنْ يُعِيدَهَا لَهُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَعْقِدُ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ السَّيِّدَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا وَقَوْلُهُ " السَّيِّدِ " أَيْ وَشَهَادَةُ الْوَلِيِّ مَعَ غَيْرِهِ كَالْعَدَمِ فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالْمُسْتَحَبِّ إلَّا إذَا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ غَيْرَهُ.
(ص) وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ (ش) الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتْعَةَ وَهِيَ مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِمُطَلَّقَتِهِ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ الْأَلَمَ الَّذِي حَصَلَ لَهَا بِسَبَبِ الْفِرَاقِ مُسْتَحَبَّةٌ وَتَكُونُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ إذْنٌ فِي تَوَابِعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] وَإِنَّمَا رُوعِيَ قَدْرُ حَالِهِ فَقَطْ لِأَنَّ كَسْرَهَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَقَطْ فَيُرَاعَى جَبْرُهَا مِنْهُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفَقَةِ الْمُرَاعَى فِيهَا وُسْعُهُ وَحَالُهَا، فَقَوْلُهُ " وَالْمُتْعَةُ " عَطْفٌ عَلَى " الْإِشْهَادُ " مِنْ قَوْلِهِ وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ بِالْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٢٣٦] وَقَالَ أَيْضًا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ قُلْنَا صَرَفَهُ عَنْهُ هُنَا قَوْلُهُ عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَتَقَيَّدُ بِهِمَا وَبِعِبَارَةٍ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ " حَقًّا " وَ " عَلَى " مِنْ أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الثَّابِتُ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ، وَالْمَنْدُوبُ ثَابِتٌ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا لِلنَّدْبِ لِتَقْيِيدِهِ بِالْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لَكِنَّ الْمُتْعَةَ تَكُونُ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا إثْرَ طَلَاقِهَا لِحُصُولِ الْوَحْشَةِ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ وَلِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْدَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ تَرْجُو الرَّجْعَةَ فَلَا كَسْرَ عِنْدَهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا لَهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهَا لِأَنَّهَا كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَتَّعَ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تُدْفَعُ إلَى وَرَثَتِهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ أَوْ وَرَثَتِهَا)
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ عَاصِيَةً) أَيْ وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ كَرَاهَةُ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ فَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ بِالْجَوَازِ مُرَادًا بِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا صَوَابٌ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَهُ خِلَافُ الصَّوَابِ وَلَا يُقَالُ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى إنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ بَلْ يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: أَيْ وَشَهَادَةُ الْوَلِيِّ) أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِلسَّيِّدِ وَلَا فَرْقَ فِي الْوَلِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُجْبِرًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالْمُسْتَحَبِّ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ كَمَا صَوَّرَ أَوَّلًا فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَشَهَادَةُ السَّيِّدِ كَالْعَدَمِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرِ حَالِهِ) لَوْ قَالَ: وَعَلَى قَدْرِ حَالِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ آخَرُ وَلَا فَرْقَ فِي الزَّوْجِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضًا مَخُوفًا أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ كَسْرِ الْمُطَلَّقَةِ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَلِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا رُوعِيَ قَدْرُ حَالِهِ فَقَطْ) فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مُتَزَوِّجًا بِفَقِيرَةٍ فَلَوْ رُوعِيَ حَالُهَا يُنَاسِبُهَا عَشَرَةُ أَنْصَافٍ وَإِنْ رُوعِيَ حَالُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَإِنْ رُوعِيَ حَالُهُمَا مَعًا عَشَرَةٌ مَثَلًا فَيُرَاعَى حَالُهُ فَتُعْطَى عِشْرِينَ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ) أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ " حَقًّا " وَ " عَلَى " وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ قَوْلَهُ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَتَقَيَّدُ بِهِمَا) وَرُدَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِحْسَانَ وَالتَّقْوَى مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ لَا مِنْ بَابِ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ أَيْ لَا يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ إلَّا رَجُلُ سَوْءٍ وَقَدْ يُقَالُ وَالْمَنْدُوبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِهِمَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ إلَخْ) مَحَلُّ كَوْنِ الْمُتْعَةِ تُدْفَعُ لِلْوَرَثَةِ فِي الرَّجْعِيِّ إذَا مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ فَلَا مُتْعَةَ لِوَرَثَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute